عادل!
غازي القصيبي
أخي! رُبَّ جُرحٍ في الأَضَالعِ لا يهْدا
أعانقهُ... والليلُ يُمطِرُني سُهدا
وأستصرخُ الذِكرى فتسكبُ صَابَها
ويا طالما استسقيتُ من نبعِها الشهدا
أخي! لستُ أدري أيّ سهميَّ قاتلي
غيابُك؟ أمْ أنّي بقيتُ هنا فردا؟
تفرّق أصحابُ الطريقِ... فلا أرى
أمامي سوى اللحدِ الذي يحضنُ اللحدا
على كل قبرٍ من دموعيَ قطرةٌ
وقافيةٌ تفدي المودِّعَ... لو يُفدى!
أصون عن الأنظار ضعفي... ورُبّما
تماسك مَنْ هَدّتْ قواعده هدّا
·
أعادل! هل حقاً تركتك في الثرى
وأهديتُ هذا القبر أنفَس ما يُهدى؟!
وهل عدتُ حقاً للديار التي خَلَتْ
وفيّاً لدُنيايَ التي تخفرُ العهدا؟!
مضيْتَ... كأنّا ما قضيْنا حياتنا
معاً... ولبسنا العمر بُرْداً طوى بُرْدا
كأنَّ الشبابَ الحُلوَ ما كان حوْلنا
يهبُّ كأنفاسِ الخمائلِ... أو أندى
كأنَّ المُنى ما سلّمتنا قيادها
فهِمنا على الآفاقِ نفرشُها ورْدا
كأنَّ الرؤى ما غَازَلَتْنا حِسانُها
وما زيّنتْ صعباً... ولا قرّبتْ بُعدا
كأنَّ الصِبا ما كان يغوي بنا الصبا
فلا فِتنة نادتْ... ولا شادِنٌ ندَّا
كأنّا خُلِقْنا في المشيب... يسومنا
من العقل... ما كنا نضيقُ به مُرْدا
يقول سهيلٌ: «ما لِعيْنِكَ لم تَفِضْ؟!»
فقلتُ له: «أكدتْ... وقلبيَ ما أكدى»
بكيتُ أخي حتّى ثوى الدمعُ في الحشا
وأجهش صدرٌ أصطلي نَوْحه وَجدا
فمن أجلِه الدّمعُ الذي سدَّ محجري
ومن أجلِهِ الدمعُ الذي استوطن الكِبْدا
إلى الله أشكو... لا إلى الناس... أنني
أكابد من عيشى العقاربَ... والرُبْدا
وأنّي إذا ما غَابَ خِلٌ... حسبتني
فقدتُ حُسامي... والعزيمةَ... والزندا
ويا ربّ! هذا راحلٌ كان صاحبي
وكان أخي... أُصفي ويُصفي ليَ الوِدّا
وكان صديقي... والشبابُ صَديقنا
وصادَقَني... والشّيبُ يحصُدنا حصْدا
وما فرَّ... والأعداءُ حولي كتائبٌ
وما خاف... والظلماءُ صاخبةٌ رعْدا
فيا ربُّ! نوِّر بالقُبول ضَريحه
وأسكنْهُ روضاً في جنانك مُمتدا
ويا ربُّ! هل للعبدِ إلاك ملجأ
ويا ربُّ! هل إلاّكَ من يرحمُ العبْدا؟
المفضلات