رقية سليمان الهويريني





فجعت خادمة إندونيسية كانت تعمل بالمملكة ما يقارب خمساً وعشرين سنة برحيل كافة أفراد أُسرتها لحظة وصولها لبلدها على أثر إعصار وفيضانات، فاتصلت بكفيلها السعودي الذي كانت تعمل لدى أُسرته وأبلغته بواقع الأمر، فقام باستقدامها واستضافتها مجدّداً واستقدم خادمة أخرى لتقوم برعاية عائلته والعناية بهذه الخادمة مراعاة لكبر سنِّها ولحالتها المأساوية، حتى تقرِّر بنفسها العودة إلى بلدها.

نشرت (الجزيرة) هذا الخبر الجميل المكسو بالإنسانية، وكنت أتمنى أن يُنشر بالصفحة الأولى مع ذكر اسم الكفيل، حتى نتمكن من شكره، والثناء على تصرُّفه النبيل، بل والإشادة به، ولا بدّ من نقل هذا الخبر لمنظمة (هيومان رايتس واتش) التي ما فتئت تنشر تقاريرها حول استغلال المواطن السعودي للعمالة الأجنبية وانتهاك حقوقها! وأكاد أجزم بوجود عمالة مضطهَدة ومنتهَكة حقوقها حتى الذل! وأدرك أنّ الظلم مرتعه وخيم، وأعلم أنّ أكل أموال الضعفاء يجلب سخط الله ويمحق البركة ويقوِّض أركان الأمن التي اختصّ الله بها بلادنا لإقامتها شريعته. وسكوتنا عن انتهاكات الحقوق المالية والممارسات غير الإنسانية للعمال البسطاء، والظلم والاستغلال الذي يمارسه بعض أرباب العمل بحقهم، ينذر بكوارث نرجو من الله أن يجنبنا إيّاها. ولا يكفي حرص الدولة والنوايا الطيبة دون المتابعة والحزم، مع وقف الاستقدام لكلِّ من تثبت إساءته للعمالة. وإنِّي لأتألّم غيرَة على بلادي أن تُنال بسوء بسبب إساءة الكفلاء للعمال وإهدار حقوقهم المالية والإنسانية. وآمل أن يجد كلُّ من يقيم ويعمل لدينا المعاملة الكريمة النابعة من تعاليم ديننا الإسلامي وقيمنا ومثُلنا العربية وفطرتنا السليمة، وأن ينال كلُّ ذي حقٍّ حقّه.

ولعلّنا نتفق أنّ تصرُّف هذا الشخص الكريم نادر، بيْد أنّه موجود وليس بمستغرب على بلادنا التي يهبُّ أفرادها لكلِّ بادرة تبرُّع في كلِّ أنحاء الدنيا، وإعصار تسونامي ليس آخرها. وأرجو أن لا يكون وقوع الممارسات الخاطئة والجائرة من قِبل العمالة مبرّراً لنا للتعامل القاسي والأفعال المجحفة بحقهم، وفي الوقت ذاته لا بدّ أن يعاقَب كلُّ من أراد لبلدنا الفساد. واتصال هذه الخادمة بكفيلها السابق وطلب العون منه، يأتي إدراكاً منها بأنّ إنسانيته التي عايشتها طيلة الخمس والعشرين سنة، كانت حقيقية وليست قائمة على تبادل مصالح، وتعامله الراقي معها هو الذي جعلها تعود وهي تدرك أنّها لا تستطيع العمل، ولكنها منحته الفرصة ليثبت نبل أخلاقه ويردّ لها الوفاء! فهل سينافس السموءل في وفائه؟ أم الطائي بجوده وكرمه؟! أم أنّنا ما زلنا نستمرئ اجترار (أمجاد الماضي)؟ وفي حاضرنا من استطاع أن يسجِّل في صفحات المجد حروفاً من ذهب!!