د. مدني الشريف


نترحم على التعليم أيام زمان وعلى الثانوية العامة التي بدلاً من أن يرقى التخطيط والتنظيم إلى رفع مستواها كمؤشر لمستوى الحركة التعليمية لدينا نجده يعود بها القهقرى ليصبح لها هذا الثمن البخس
المرحلة الثانوية تعد من أجمل مراحل التعليم إذ إن مرحلتها العمرية تجعل طلابها أكثر انسجاماً وتآلفاً وترابطاً لأنهم يشعرون وهم في تلك السن بالتقارب الاجتماعي في سلوكياتهم وتصرفاتهم ونظرتهم الجميلة لمفهوم الحياة عموماً وما يتعلق بالزمالة أو الصداقة خصوصاً مما يرسخ لديهم ذلك الشعور الذي يجعلهم دائمي التواصل حتى وان تفرقت بهم سبل الحياة.
كان ذلك أيام كانت الثانوية العامة تعد مؤهلاً علمياً عالياً يؤهل حامله إلى العمل في التعليم وفي السلك الوظيفي أياً كان نوع العمل المطلوب أداؤه.
أما من ناحية الكفاءة العلمية فيكفي أنها تعطي مؤشراً دقيقاً وصادقاً لقدر تلك الكفاءة فكثير من العلماء والأدباء الذين أثروا الساحة الأدبية والعلمية لم يكن مؤهلهم العلمي يتجاوز الثانوية العامة إن لم يكن أقل منها.
وتمضي السنوات ليفقد المؤهل بريقه ومكانته بل وصلت الثانوية العامة إلى درجة من الضعف والتشكيك بالمستوى العلمي لحامليها مما جعلهم يحتاجون إلى إجراء اختبار في القياس والتحصيل لإثبات قدراتهم العلمية التي تؤهلهم للالتحاق بالجامعة.
لقد أسفت وأنا اقرأ خبراً أن إحدى جامعاتنا العريقة قد حددت للقبول فيها نسبة 40% للثانوية العامة 60% لاختبارات القياس والتحصيل وتلك النسبة تجعلنا ندرك المستوى المتدني لها كمؤهل لم تعدله تلك القيمة العلمية أما المسؤولية هنا فتتجاذبها أقطاب ثلاثة:
المناهج التي ينوء بحملها الطلاب ناهيك عن القدرة الذهنية على استيعابها والمعلم الذي انخرط في سلك التعليم لا عن رغبة وميول إنما (مكرهاً أخاك لا بطل) فهي الوظيفة المتاحة أمامه ولم يجد من الضوابط والمعايير ما يحدد قدرته للعمل التربوي وصناعة الأجيال ليدفع الطلاب ثمن ذلك الاختيار الذي ظلم فيه المعلم والتعليم معاً.
وتلك المدارس الخاصة التي تسعى إلى الربح فكانت إغراءاتها للطلاب وأولياء الأمور بذلك الكرم الحاتمي في الدرجات لتصل نسبة النجاح التي يحصل عليها الطالب في الثانوية العامة إلى 100%.
وأدى ذلك التلاعب إلى جذب الطلاب والطالبات خاصة طلاب المرحلة الثانوية إلى المدارس الخاصة حتى أولئك الذين لا تسمح أوضاعهم المادية بالتحاق أبنائهم بتلك المدارس تجدهم يحرصون على التحاقهم في الصف الثالث أي سنة التخرج لضمان كسب درجات أو نسبة عالية في الثانوية العامة تؤهلهم لدخول الجامعة.
وما شجع تلك المدارس على هذه التجاوزات التي يأباها شرف المهنة سوى فقد الرقابة من الجهات المختصة بالإشراف وأعني هنا وزارة التربية والتعليم التي تحيط مسؤوليتها بكل المسببات الثلاثة والتي أدت إلى فقد القيمة العلمية لمؤهل يمضي الطالب اثني عشر عاماً في التحصيل العلمي ليحصل عليه والنتيجة مستوى علمي متدن لا يرقى في تأهيل حامله إلى دخول الجامعة وهذا يجعلنا بكل أسف نترحم على التعليم أيام زمان وعلى الثانوية العامة التي بدلاً من أن يرقى التخطيط والتنظيم إلى رفع مستواها كمؤشر لمستوى الحركة التعليمية لدينا نجده يعود بها القهقرى ليصبح لها هذا الثمن البخس وتفقد قيمتها في مدة لا تتجاوز خمس سنوات هي عمر العمل في سوق القبول.
ورحم الله أولئك الرجال الذين سعوا إلى نهضة التعليم في بلادنا لينشأ قوياً قوة إخلاصهم لدينهم ووطنهم وأمتهم.