كل أحداث هذه القصة حقيقية بما فيها المواقف الطريفة
· بسم الله الرحمن الرحيم
في أحد ليالي الشتاء الباردة كان هذا المواطن يستعد لتوضيب حقائبه إيذاناً ببداية عام دراسي جديد له في إحدى مدن المملكة وكان يلملم أغراضه وهو حزين لكونه سيفارق أغلى الناس على الإطلاق ولكنها تجربة لا بد منها وفي النهاية لن يعيش أحد فكلنا سيفارق لا محاله.
أخذ كل حاجياته وإنطلق برفقة والده إلى المطار ومعه خمسمائة ريال مصروفاً له ،، وودعه والده وهو يقول: الصلاة أولاً وأخيراً فالدراسة ثانياً فالسمعة الطيبة.
كانت هذه وصايا ذلك الأب لإبنه الذي سيعيش تجربة جديدة في حياته العلمية حيث المدينة الجديدة والأشخاص الجديدين ووو....إلخ.
نزل إلى أرض المطار وهو يرفع يده ملوحاً ليعلن الرحيل فتحرك سيارة الوالد التي أقلتهم ودخل هو إلى صالة المطار ليدور بينه وبين موظف المطار هذا الحوار.
المواطن: أريد بطاقة صعود الطائرة لو سمحت وأريد شحن العفش.
الموظف : عفواً فلقد أغلقت البوابة ولا نستطيع فتحها حيث أنها موصده.
المواطن: ولكن حجزي مؤكد.
الموظف : ماذا أفعل لك
المواطن : أي شي يمكنني من صعود الطائرة.
الموظف : لا تتعب نفسك فلو أحضرت قوى الأرض لإيقاف الطائرة فلن تستطيع.
يخرج المواطن المسكين وهو يجر أذيال الهزيمة ليتصل بأخيه ليحضر إليه ولا يستطيع إخبار والده بالأمر لأن والده من النوع اللطيف في التعامل.
يأتي أخوه ويقله من أرض المطار إلى محطة النقل الجماعي لأنه إتصل بمكتب الخطوط وحجز من مدينة أخرى ولكن الحجز غير مؤكد هذه المرة فيذهب إلى موقف السيارات هناك ليستأجر من يوصله للمدينة الأخرى إلى أرض المطار هناك فيجد شاباً يافعاً معه سيارة جديدة ومعاه شخصين ليسأله :
وين رايح؟
المواطن : إلى المدينة الفلانية.
الشاب: حلو ما يبقى غير واحد ونكمل أربعة
المواطن : أقول لك أريد الذهاب للمطار لا إلى جلسة بالوت.
الشاب : تدفع حق إثنين
المواطن : حسناً
ويركب السيارة ومعه في الخلف رجل قادم من مدينة جازان وفي الأمام رجل من نفس مدينتهم وينطلقون بسرعة البرق ليصلوا في الوقت المناسب إلى المدينة المجاورة.
كان الرجل الذي يجلس في الخلف إ،تهازياً لأبعد الحدود فلا يملك سوى خمسين ريالاً مع العلم بأن سعر الراكب ستون ريالاً وبينما صديقنا يحاول إقناعه بتقاسم المبلغ الأخير ثلاثتهم فيصبح على كل شخص ثمانون ريالاً فإذا به يضحك بكل وقاحة ويقول : ما فجيبي غير خمسين بس الله يستر.
ويقول له صديقنا : كيف قدمت من تلك البلاد البعيدة إذن فيقول البجيح:
أهل الخير واجد. فيمتنع صديقنا من مجاراته في الحديث بينما هو يكشف له عن أملاكه وممتلكاته وبطولاته في البرية لعلمه بأن هذا الرجل لا يملك سوى الثوب الذي يلبسه والمسواك الذي في جيبه والخمسين ريالاً فقط.
يصلون إلى المدينة المجاورة وينزل صديقنا إلى أرض المطار بعدما دفع مائة وعشرين ريالاً فلم يتبق سوى 380 ريالاً ويدخل صالة المطار ويذهب إلى كاونتر الإنتظار ليسلم على الجميع ويسأل الموظف عن ما إّذا كان بالإمكان صعود الطائرة فإذا به يخاطب الجمع بقوله : من يريد التسجيل على الطائرة التي ستنطلق في الرابعة صباحاً فليتقدم ويسجل صديقنا إسمه ويذهب ليبدل التذاكر حيث أنها تختلف الآن ويبدلها بعد معاناة شديدة ثم يسجل إسمه ويذهب إلى مواقف التاكسي حيث قال له الموظف الحضور في تمام الثالثة بعد منتصف الليل وكانت الساعة آنذاك حوالي الثانية عشرة ليلاً فينطلق إلى رجل من الجنسية السودانية إسمه عصام ليقول له:
هل توصلني خارج المطار؟
قال السوداني : مرحب بيك
المواطن : أريد الذهاب إلى أقرب مطعم حيث أنني جائع لدرجة الهلوسه
قال : نعم سأوصلك بعشرين ريالاً
المواطن: لا أريد إيصالي بعشرة فقط.
السوداني : حاضر ويركب سيارة السوداني من نوع هيونداي أكسنت وعه شيخ فاضل قادم لتوه من الخرطوم ويريد الذهاب إلى مكان يبعد عن المطار خمسة وثلاثين كيلاً حيث المطعم يبعد خمسة كيلو مترات فقط فأوصلوا صديقنا للمطعم وأخذ صديقنا رقم جوال السائق لأنه يريد العودة للمطار بعد الإستراحة ويوصلوا إلى مكان طلبات السيارة حيث صديقنا يجلس في الخلف طلب عشاءه وحاسب المطعم وأنطلقوا إلى إستراحة مجاورة ليستريح هذا المسكين.
وينزل من السيارة ويقول للسوداني تعود لي بعد أن توصل الشيخ الفاضل فيجيبه السوداني ب مرحب بيك.
يجلس في الإستراحة ويتناول عشاءه وبعد أن هم بالقيام من مكانه الذي يجلس به إذا الهاتف النقال يرن وإذا به والد هذا المسكين : يجيب على الهاتف ويسمع أسمى أيات التوبيخ والتنقيص لأنه لم يستطع صعود الطائرة حتى الآن ويذهب إلى مدير الإستراحة ليحاسب ويتفقد جيوبه وإذا به نسي نقوده وما يتبع في سيارة عصام.
يحمد الله أنه أخذ رقم جوال هذا السائق ولكن عبثاً يحاول فكلما يتصل عليه لا يجيب ذلك الرجل حتى فقد صديقنا عقله.
أخذ يترقب ويجوب الراضي التي حول الإستراحة وكأنه سمسار عقار يبحث عن ضالته والحكمة ضالة المؤمن ولكن هذا البائس يفتقد إلى الحكمة أيضاً.
ظل على هذه الحال قرابة الساعة والنصف وهو يتصل ويحاول ولكن دون جدوى حتى مرت سيارة شبيهه بسيارة عصام وأخذ يتفقدها وإذا به يمسك من الخلف وعندما يلتفت وإذا بشئ ضخم كأنه رجل يقول : ماذا تريد ؟
المواطن : أبحث عن عصام.
فيقول الرجل : وربي لو شفتك هنا أقلع عيونك أنقلع
فينقلع صديقنا وهو ينتظر الفرج ويجلس بالقرب من الشارع العام وإذا بهاتفه يرن وإذا به عصام يظهر على شاشة الهاتف. فيجيب. عصام أين أنت يارجل؟ نسيت أغراضي معك.
عصام : سأبحث في السيارة وأتصل عليك لاحقاً.
هنا أرتاح صديقنا لكون عصام قد أجاب على مكالماته وهو يظن الشر به فظن خيراً ثم عاود الإتصال بعصام ليتأكد بأنه سيجيبه مرة أخرى ولكن عصام لم يجب.
هنا أحس صديقنا بلعبة تحاك ضده وأخذ أبليس اللعين يجري فيه مجرى الدم في عروقه التي جفت دمائها ويتصل مرة أخرى ولكن دون جدوى.
وبعد قرابة الساعة يتصل عصام : ليخبره بأنه وجد أشياءه وهو قادم لأخذه للمطار.
يرتاح البائس المسكين بعد عناء ذهني إستمر قرابة الساعتين والنصف وبعد ربع ساعة يأتي عصام ليقول :
إصعد إلى الخلف
المواطن : بكل سرور . الحمد لله هاهي أشيائي وجدتها وينطلق مع عصام ويدور بينهما الحوار التالي:
المواطن : أين أنت يارجل منذ مدة وأنا أتصل عليك؟
عصام : عندما قلت لي سأتصل بك ظننتك لا تريد أن أحضر وكنت على وشك أن أنام وإذا بصغيري الذي لا يجيد إلا المشي يأتيني بهاتفي على الفراش وهو على الوضع الصامت ليناولني إياه.
المواطن : حفظ الله صغيرك يا رجل وحفظك من كل مكره ويناوله المبلغ الذي يستحق وينطلق إلى موظف المطار.
الموظف : لا يوجد سوى مقاعد درجة الأفق من يريدها فليبدل تذكرته ويأتي فوراً.
ينطلق المواطن مسرعاً ليبدل تذكرته بثلاثمائة ريال ولم يتبق معه سوى 60 ريالاً ويصعد الطائرة التي توصله المحطة التالية صباح اليوم التالي حيث لم تغادر ينطلق المواطن مسرعاً ليبدل تذكرته بثلاثمائة ريال ولم يتبق معه سوى 60 ريالاً ويصعد الطائرة التي توصله المحطة التالية صباح اليوم التالي حيث لم تغادر إلا الخامسة ومدة الرحلة ساعة ونصف الساعة.
يصل إلى محطته الأخيرة وهو متعب جداً ويركب مع سائق التاكسي الذي يوصله بسرعة إلى منزل صديقه فيبداً العام الدراسي الجديد ولم يتبق في جيب صديقنا سوى خمسة ريالات حيث كان التاكسي بسعر 55 ريالاً والخمسة لا تكفي لأي شي في هذا البلد الطيب فيخلد للنوم بدل أن يبدأ مع الطلاب رحلة دراسية جديدة.
أبعد الناس
المفضلات