عبدالله بن إدريس





أما أن القمة العربية التي تنعقد اليوم في (عاصمة الإنسانية) الرياض.. وهي القمة التاسعة عشرة.. على مدى سبعة عقود من (أنشاص) إلى (الرياض) هي قمة القمم.. فهذا ما لا يختلف عليه اثنان.. دعك من نتوءات زعامية لا يحسب لها حساب.. في حضور أو غياب.

وأما أن هذه القمة تعقد في الرياض؛ عاصمة الهمم العالية، فذلك ما اعتاده العرب والمسلمون من قادة هذه البلاد قديماً وحديثاً مع الأخذ بعين الاعتبار الفوارق الزمنية.. وتصاعد تحقيق الإنجازات لصالح التضامن العربي وفق المعطيات الراهنة التي تبوأتها المملكة العربية السعودية.. قيادة وشعباً منذ استضافتها الفرقاء اللبنانيين على أرضها في (الطائف) وإيقافها الحرب اللبنانية الطائفية التي استمرت خمسة عشر عاما.. أكلت أخضر لبنان ويابسه.. ولم تستطع دولة أو دول عربية مجتمعة أن تفعل شيئا لإيقاف تلك الحرب المدمرة إلا المملكة العربية السعودية، بحنكة قادتها وسلامة قصدها ووقوفها من الفرقاء على مسافة واحدة.. وهي الحيادية الإيجابية.

وليس آخر إنجازات (مملكة الإنسانية).. ما فعله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - حيث جمع شمل المتقاتلين الفلسطينيين من منظمتي (فتح) و(حماس) بجوار بيت الله الحرام.. للتحاور بين الفريقين بالآراء الصائبة، والأفكار الناضجة. بدلا من التحاور بالصواريخ والمدافع الرشاشة، والاغتيالات الإجرامية التي هي استنساخ لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، وربما بتحريض منه!

كل الدول العربية حاولت تحقيق بعض هذا الإنجاز التاريخي.. فعجزت.. وحققتها هذه الدولة المباركة بقيادة القائد المصلح الحكيم خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وما هذا الذي أومأت إليه إلا صفحة واحدة من صفحات أعماله وإنجازاته الإصلاحية التي لا يعنيها إلا خلود أعماله الباقية على مر التاريخ.

وحين يأمل (مليار ونصف المليار) عربي ومسلم في العالم.. من رئيس هذه القمة، عبدالله بن عبدالعزيز.. وإخوانه ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية المجتمعين بعاصمة (العرب) الرياض أن تحقق هذه القمة ما لم تحققه القمم السالفة - تطبيقا عمليا - لا قرارات وتوصيات، (لا تسمن ولا تغني من جوع) فإنما ذلك تمثلا لمنهجية الرياض وقدراتها على التضامن والتصالح العربي ينتظر العرب والمسلمون من قمة الرياض - كحد أدنى -:

- الإصرار على (المبادرة العربية) التي قدمتها المملكة العربية السعودية في (قمة بيروت) عام 2002م دون تعديل أو تنازل عن بند من بنودها إذ هي الحد الأدنى من الحقوق الدولية للفلسطينيين وفق قرارات مجلس الأمن.

- وأن يواجه العرب - بجسارة - مواقف الدول المؤيدة للعدوان الإسرائيلي وبخاصة أمريكا التي تكيل القضية الفلسطينية بمكيالين مختلفين.. مكيال الحيف والتحيز الفاضح والمفضوح. دعما للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه التي اعترفت بها الأمم المتحدة وصدرت بها قرارات من مجلس الأمن. ومكيال الظلم والبخس لحقوق الفلسطينيين خاصة والعرب والمسلمين عامة.

- ولتؤكد القمة أن هذا النهج الأمريكي الظالم.. لن يتحقق معه أمن ولا سلام لا في الشرق ولا في الغرب.. وأن (العدل) هو طريق الأمن والاستقرار والديمقراطية والتعايش السلمي بين الدول والشعوب.

- ويتطلع العرب والمسلمون في العالم بأن تسهم هذه القمة في إطفاء الحرائق الملتهبة في كل مكان، بين السنة والشيعة.. وأن يناشدوا بعض المراجع الدينية التي تفتي بكفر من ليس على مذهبها - السستاني مثلاً - فإن هذه الفتاوى دمار وأي دمار..! والدليل الصاعق ما يعيشه الشعب العراقي من فتن لم ولن يستطيعوا إطفاءها إلا بفتاوى التسامح والتعايش بين هؤلاء وهؤلاء. وليكن التعايش على ما يلتقون فيه وهو الأكثر.. وليتركوا ما يختلفون عليه في حدود ممارسات كل منهم دون الإيذاء بين الطائفتين.

- لقد أصبح هذا الخلاف المذهبي أداة شريرة في أيدي أعداء الإسلام الساعين إلى تفريق المسلمين وتمزيق شملهم حتى يسهل عليهم احتلال أوطاننا ونهب خيراتنا.. وفرض ثقافتهم علينا، ومن ثم إذابة حضارتنا الإسلامية، أو تشويهها بما ينفر العالم منها، وبالتالي يكتمل الغزو الصليبي في التأثير والهيمنة في معظم مفاصل الحياة الروحية والمادية.

وما الخلافات الحادة بين السنة والشيعة في العراق؛ ولبنان، إلا وسيلة من وسائل أعداء الأمة العربية والإسلامية.

- فهل نرى لهذه القمة لمسة فاعلة لجمع الشمل، ونبذ الفرقة، وإصلاح ذات البين..؟ ليس ذلك على همة القادة المخلصين لدينهم وأمتهم، الذين عصرتهم التجارب المريرة والمحن الطائفية - بعسير عليهم.. وفقهم الله.

***