[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من صفات المعلم
إنه ما من عمل أو مهمة صغرت أو كبرت إلا ولمن يقوم بها صفات لابد أن يتحلى بها، وصفات لابد أن يتخلى عنها، فكيف بمن يتولى أمانة إعداد الجيل، وتربية النشء؟ والحديث عن صفات المعلم يطول، فاقتصرت هنا على ما أرى ضرورة إيراده، إما لكثرة الإخلال به، أو لارتباطه بالتوجيه، أو لأن البعض قد يجهله ويغفل عنه . ويمكن أن نقسم هذه الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المدرس إلى صفات إيجابية ينبغي له أن يتصف بها، وصفات سلبية ينبغي أن يتخلى عنها. المبحث الأول : صفات إيجابية

1- الإخلاص لله وحده: وهي خصلة تواطأ من ألَّف من سلف الأمة في أدب المعلم على الوصاة بها. قال الحافظ ابن جماعة في أدب العالم مع طلبته: :" الأول أن يقصد بتعليمهم وتهذيبهم وجه الله تعالى، ونشر العلم، ودوام ظهور الحق وخمول الباطل، ودوام خير الأمة بكثرة علمائها، واغتنام ثوابهم، وتحصيل ثواب من ينتهي إليه علمه" (تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم (47) .). وقال الإمام النووي:"ويجب على المعلم أن يقصد بتعليمه وجه الله لما سبق، وألا يجعله وسيلة إلى غرض دنيوي، فيستحضر المعلم في ذهنه كون التعليم آكد العبادات، ليكون ذلك حاثاًّ له على تصحيح النية، ومحرضاً له على صيانته من مكدراته ومن مكروهاته، مخافة فوات هذا الفضل العظيم والخير الجسيم"(المجموع شرح المهذب (1/30) .). وحين يصلح المدرس نيته، ويطيب طويته يتحول عمله إلى عبادة لله وحده، ويكتب له نصبه وجهده وكل ما يلاقيه حسنات عند الله، فلئن كان الرجل يثاب حين يأتي زوجته، أو حين يرفع متاع الرجل على دابته، أو حين يكف لسانه عن القيل والقال، أفلا يثاب من يغار على أبناء الأمة ويحمل همهم؟ والإخلاص أخي المدرس ينتج عنه أن تتمتع بكل ما يتمتع به الآخرون في الدنيا من مزايا مادية، وإجازات.... وتزيد عليهم في الدنيا أنك تتذوق عملك، وتعشق مهنتك فتحبها وتقبل عليها، وأن جميع الساعات التي تقضيها كل يوم في مدرستك، بل في ذهابك وإيابك مدخرة لك عند الله عز وجل. أما الدار الآخرة فهي المقصود الأعظم والمطلب الأسمى، فهناك أي ثواب سيناله المخلصون، وأي أجر سيكتب لهم؟ هذه أمور لا تدركها أنت ولا أنا، إنما علمها عند الله [والله يضاعف لمن يشاء] (البقرة:261). والنية الخالصة مع كونها شعوراً داخلياً إلا أنها تمثل عاملاً مهماً يضبط سلوك المدرس، ويفرض عليه رقابة داخلية؛ فيتقن العمل ويرعى الأمانة. 2- التقوى والعبادة: روى الرامهرمزي بإسناده عن أبي العالية قال:"كنا إذا أتينا الرجل لنأخذ عنه نظرنا إلى صلاته، فإن أحسن الصلاة أخذنا عنه، وإن أساء الصلاة لم نأخذ عنه"(المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للقاضي الحسن بن عبدالرحمن الرامهرمزي (409) .) . وقال محمد بن سيرين: "إن هذا العلم دين؛ فانظروا عمن تأخذون دينكم"(رواه مسلم في مقدمة صحيحه . والخطيب في الكفاية 121 . والرامهرمزي في المحدث الفاصل(437) .) . وقال حماد بن زيد: دخلنا على أنس بن سيرين في مرضه فقال:"اتقوا الله يا معشر الشباب، وانظروا عمن تأخذون هذه الأحاديث فإنها دينكم "(رواه الخطيب في الكفاية (122) . والرامهرمزي في المحدث الفاصل (440) .) . وقال الإمام مالك رحمه الله: "إن هذا العلم هو لحمك ودمك، وعنه تسأل يوم القيامة، فانظر عمن تأخذه" (رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل (444) .) . وقال مجالد: "لا يؤخذ الدين إلا عن أهل الدين" (رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل (445) .) . فحين تطرق هذه النصوص أخي المدرس مسمع طلابنا أتراهم يرونها تنطبق علينا بحق؟ أم أنهم يدرجونا ضمن قائمة من حذَّر السلف من الأخذ عنهم؟ فلا علينا أن نطرح هذا السؤال بصدق وصراحة على أنفسنا: هل نحن معنيون بحق في الحرص على استقامة ديننا وسلوكنا؟ وهل نحن نشعر أن إعداد أنفسنا، وتقوية إيماننا، والعناية بعبادة الله عز وجل وطاعته جزءٌ لا يتجزأ من واجبنا؟ 3- حث الطالب على العلم وتحريضه عليه: إن غرس حب العلم، والعناية به من أهم الصفات التي ينبغي أن يتسم بها المدرس، وهي وصية يوصي بها المعلمَ مَنْ سلف من أهل العلم. قال الإمام النووي:"وينبغي أن يرغبه في العلم، ويذكره بفضائله وفضائل العلماء، وأنهم ورثة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ولارتبة في الوجود أعلى من هذه"(المجموع شرح المهذب (1/30) .). وفي عصرنا الحاضر تزداد القضية تأكيداً، وتستحق مزيداً من الرعاية والعناية؛ إذ كثرت الصوارف والشواغل للجيل المعاصر من الملاهي ووسائل قضاء الشهوات، مما يجعل العلم والعناية به في مرتبة متأخرة من اهتمامات الطالب، هذا إن وجد ذلك أصلاً. والترغيب في العلم والحث عليه ليس بالضرورة حكراً على طريقة واحدة تتمثل كما يتصور البعض بالحديث النظري المستفيض عن فضائل العلم وأهله، وعن تقصير الجيل الحاضر في ذلك. إن مثل هذا الحديث مطلب له أهميته، لكن حين نضيف لذلك عنايتنا بغرس حب العلم عند تلامذتنا من خلال إعطائهم المزيد مما يشد انتباههم من الفوائد العلمية، وتعويدهم على القراءة من خلال توجيههم لكتب مفيدة ومشوقة. وحين يلمسون عنايتنا نحن بما نقدمه لهم، ويرون أثر العلم على ما نقدمه، ونضيف لذلك كله نماذج من سير أهل العلم وعنايتهم به؛ إننا من خلال ذلك كله يمكن أن نسهم في دفع الهم العلمي لدى طلابنا مرحلة أعلى مما هي عليه في الواقع. 4 -حسن المظهر: لا أشك أنك توافقني أن علينا أن نعتني بمظاهرنا بما لا يخرج عن حد الاعتدال؛ إذ ذلك أدعى للقبول والتقدير، وذاك يشعر طلبتنا أن الاستقامة لا تعني بالضرورة رثة المظهر، وقد كان السلف يعنون بذلك، ويوصون المحدث بحسن مظهره، نقرأ في فهرس (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي) ما يلي: باب إصلاح المحدث هيئته وأخذه لرواية الحديث زينته، مبحث وليبتدئ بالسواك، مبحث وليقص أظافيره إذا طالت، مبحث إذا اتسخ ثوبه غسله، مبحث إذا أكل طعاماً زهماً اتقى يديه من غمره، مبحث لباس المحدث المستحب له، مبحث ويكره له أن يلبس الثوب الخلق وهو يقدر على الجديد.... وقال:"ينبغي للمحدث أن يكون في حال روايته على أكمل هيئة وأفضل زينة، ويتعاهد نفسه قبل ذلك بإصلاح أموره التي تجمله عند الحاضرين من الموافقين والمخالفين"(الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (373) .) . وروى بإسناده عن يحيى بن محمد الشهيد قال:"ما رأيت أورع من يحيى بن معين، ولا أحسن لباساً منه" (الجامع لأخلاق الرواي وآداب السامع (381) .) . ومن تمام حسن المظهر وأولوياته الالتزام بالضوابط الشرعية، فإسبال الثياب، أو لبس المخالف منها، أو حلق اللحية مما يخل بمظهر المعلم، ويتأكد عليه قبل غيره من الناس أن يلتزم بالمظهر الشرعي. 5 - حسن المنطق : إن المنطق واللسان يعد أخي المدرس معياراً من معايير تقويم الشخصية، لذا فلعلك توافقني أن من واجبات المدرس أن يحفظ منطقه ولسانه، فلا يسمع منه الطلاب إلا خيراً، وحتى حين يعاتب أو يحاسب، فلا يليق به أن يتجاوز ويرمي بالكلمات التي لايبالي بها. ولئن كانت الكلمة الطيبة تترك أثرها في النفوس، فالكلمة الجارحة تهدم أسوار المحبة، وتقضي على بنيانها. ولئن كنا لاندرك بدقة أثر ما نقوله على الناس، فالناس لهم مشاعر، واعتبارات ينبغي أن نرعاها. إننا نلمس في أنفسنا جميعاً أن هناك كلمات نسمعها فتترك أثراً إيجابياً أو سلبياً في نفوسنا دون أن يشعر من قالها بذلك. أفلا نجعل من هذا الاعتبار مقياساً للآخرين، فنفترض أن مشاعرهم تجاه ما يسمعونه منا لن تكون بالضرورة مدركة لنا، أو حتى واردة في حسباننا؟ مما يدفعنا إلى مراجعة منطقنا أكثر، وأن نحسب لكل كلمة نقولها حساباً. 6 - الانضباط واتزان الشخصية: يؤكد هذه الصفة الإمام النووي فيقول :"وينبغي أن يصون يديه عن العبث، وعينيه عن تفريق النظر بلا حاجة، ويلتفت إلى الحاضرين التفاتاً قصداً بحسب الحاجة للخطاب"(المجموع شرح المهذب (1/33) .). والاتزان صفة يحتاج إليها من يطلب من الناس أدنى اعتبار لشخصيته واحترام لها، فكيف بمن يكون معلماً للجيل وقدوة للناشئة؛ إذ إن أولئك الذين يفقدون اتزانهم، وتنبئ تصرفاتهم عن نقص في العقل وكمال الرجولة، وفقد لهيبة العلم، أولئك إنما تنادي أحوالهم بمزيد من السخرية والعبث من قبل تلامذتهم. 7 - القدوة الصالحة: كثير من الناس يستطيع التوجيه ويحسن القول، ولكن كم هم المعلمون الذين يدعون بأعمالهم، ويرى فيهم الطالب القدوة الحسنة؟ فيحسن بك أخي الكريم أن تكون قدوة صالحة لأبنائك، في عبادتك، وفي تعاملك، وفي سلوكك. وبعبارة أدق أن يتفق مقالك وحالك. إن التناقض بين القول والعمل، والظاهر والباطن، وازدواجية التوجيه وتناقضه، كل ذلك من أكبر مشكلات الجيل المعاصر، وذلك كله نبات بذرة خبيثة واحدة، ألا وهي عدم العمل بالعلم، والمأمول منك أخي المدرس أن تسهم في اجتثاث هذه النبتة السوء، لا أن تسهم دون قصد في سقيها. ولذا يقول الشافعي موصياً مؤدب أولاد الخليفة الرشيد:"ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاح نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما تستحسنه، والقبيح عندهم ما تكرهه". وها هو ابن مسعود- رضي الله عنه - يقول:"من كان كلامه لا يوافق فعله فإنما يوبِّخ نفسَه". ويرى الغزالي أن الوظيفة الثامنة للمعلم: "أن يكون عاملاً بعلمه، فلا يكذب قوله فعله؛ لأن العلم يدرك بالبصائر، والعمل يدرك بالأبصار، وأرباب الأبصار أكثر، فإذا خالف العلم العمل منع الرشد، وكل من تناول شيئاً وقال للناس لا تتناولوه فإنه سم مهلك؛ سخر الناس به، واتهموه، وزاد حرصهم على ما نهوا عنه، فيقولون: لولا أنه أطيب الأشياء وألذها لما كان يستأثر به"(إحياء علوم الدين (1/97).) . فالمدرس الذي يتحدث لطلابه عن أهمية الصلاة والمحافظة عليها، وحين يصلّون في المدرسة يرونه في آخر الصفوف أو"الذي يحث طلابه على الالتزام بالمواعيد وأهمية الوفاء بها، ثم يحضر إلى دروسه متأخراً يمحو بتصرف واحد عشرات الأقوال التي يصبُّها في آذانهم"(المعلم والمناهج وطرق التدريس لأستاذنا : د. محمد مرسي (21) .). 8 - الوفاء بالوعد: إن الوفاء بالوعد من خلق المؤمن، بل الخلف من خصال النفاق، وإخلاف الوعد مظهر من مظاهر عدم الجدية واللامبالاة، ينطبع في أذهان الطلاب عن شخصية أستاذهم، ويعطيهم مقياساً لضآلة قدرهم عنده. فحين تعد طالباً بمكافأة، أو بحث مسألة، أو تعد سائر طلبتك بأي أمر، فاجتهد واحرص كل الحرص على الوفاء بما وعدت به، وإن حال دون ذلك حائل، أو عاق دون تحقيقه عائق فالاعتذار اللطيف يزيل ما قد يكون في النفس. 9- الإسهام في إصلاح نظام التعليم: المدرس الجاد المخلص يشعر أن مهمته لا تقف عند حد ما يقدمه في الفصل الدراسي، ولئن كانت المسؤولية عن نظم التعليم والمناهج وما يتعلق بذلك أموراً يعنى بها غير المعلم، إلا أن ذلك لا يعفيه من المشاركة والسعي للإصلاح. وهو حين يحمل هذا الهم في خاطره، ويدرك أن هذه المهمة جزءٌ من مسؤوليته، سيسهم في اقتراحٍ بناءٍ على إدارة المدرسة، أو تنبيهٍ على ملحظ، أو مناقشة هادئة في قرار. وسيدعوه ذلك أيضاً للمساهمة في إبداء اقتراح أو تصحيح خطأ حول منهج مادة يدرسها، أو طرح فكرة بناءة والكتابة عنها، أو السعي لدراسة ظاهرة من الظواهر السلبية في نظام التعليم أو مشكلة من مشكلاته. ولهذا كان السلف يوصون المعلم بالعناية بحماية نظام التعليم من المخالفات الشرعية، ولو كانت في نظر البعض من الأمور اليسيرة. قال سحنون:"وأكره للمعلم أن يعلم الجواري، ولا يخلطهن مع الغلمان؛ لأن ذلك فساد لهم" (آداب المعلمين . مصدر سابق (123) .)
[/align]