«الحجر».. اسم أثار الجدل بين المستشرقين والآثاريين والعلماء


جولة: د. محمد الحربي تصوير: ماجد العتيق
"مدائن صالح" أو "الحجر" لا تحتوي على آثار للثموديين الآن حسب ما يراه علماء الاثار الان.. ولكنهم يصرون على انها حاضرة الثموديين التي اشارت اليها نصوص القرآن الكريم التي سمت المكان ووصفته وسلسلت الاحداث التي مرت فيه. ولكن لماذا هذا الاصرار على انها نفس المنطقة التي وردت في الآيات التي ذكرتها أكثر من مرة.. وعلى ماذا اعتمدوا في ذلك؟ ذكرت "الحجر في كثير من الاحاديث النبوية الشريفة ومنها قال الإمام أحمد حدثنا عبدالصمد حدثنا صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر قال: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس على تبوك نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود فعجنوا منها ونصبوا لها القدور فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم فأهرقوا القدور وعلفوا العجين الإبل ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا وقال: "إني أخشى ان يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم".

كثير من الاحاديث التي تذكر "الحجر" وتذكر مساكن ثمود وتشير الى مرور الرسول صلى الله عليه وسلم بها في منطقة بين المدينة وتبوك, ولكن هل هي "الحجر" المعروفة الآن؟ وهل المساكن المشار اليها في الاحاديث هي المقابر النبطية الموجودة في "الحجر" أو ما تسمى "مدائن صالح"؟ وهل "بئر الناقة" الموجودة في منطقة "الحجر" بالقرب من القلعة العباسية, هي البئر التي كانت ترد عليها ناقة صالح عليه السلام. خاصة وأن البئر صغيرة الحجم وموجودة في مكان فضاء واسع لا يتفق مع الوصف الوارد في الحديث عن ضخامة حجم الناقة وعن أنها كانت ترد من فج وتصدر من فج آخر لأنها لا تستطيع الاستدارة لتعود بنفس طريقها لضخامتها وضيق المكان عليها؟ جميع هذه الاشارات بحاجة ماسة الى أدلة علمية يثبتها علماء الآثار بقياس عمر الصخور في المكان.. ولمطابقة ما جاء في النصوص على واقع الأرض. خاصة أن ثمود قوم صالح عليه السلام عاشوا في النصف الثاني للألف الرابع قبل الميلاد, والأنباط عاشوا من القرن الرابع قبل الميلاد حتى القرن الثاني الميلادي,أي قبل ان يبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة وقبل أن يمر بالمنطقة أثناء مروره لغزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة. مما يدل على ان ذكره صلى الله عليه وسلم للمساكن والبيوت وبئر الناقة التي تعود للثموديين ينبغي ان يكون لمساكن وبيوت وبئر قائمة تعود لهم وليس كما يقول علماء الآثار انها اثار نبطية وليست ثمودية.

الكتابات الكلاسيكية
هذا بالاضافة الى ما ذكر في الكتابات الكلاسيكية عن هذه المنطقة انها هي "الحجر" حاضرة الثموديين في كتب الرحالة الذين زاروا المكان, كما يشير الى ذلك الاستاذ الدكتور عبدالرحمن الطيب الانصاري والدكتور حسين بن علي ابو الحسن في كتابهما "العلا ومدائن صالح" بقولهما: "ورد ذكر الحجر في بعض المصادر الكلاسيكية في ثنايا الحديث عن الانباط, فقد ذكرهم المؤرخ ديودور الصقلي معتمدا على ما كتبه هيرونيموس الذي سجل كثيرا من مشاهداته عن الانباط في اواخر القرن الرابع قبل الميلاد. وصور الجغرافي سترابون جزءا من حياتهم في القرن الاول الميلادي اعتمادا على ما نقله عن أغاثر خيدس وأثنودور الطرطوسي الذي يقال انه ولد ونشأ في البتراء عاصمة الانباط الاولى. ووردت بعض الاخبار عن الانباط في كتابي المؤرخ اليهودي يوسيفوس "حرب اليهود" و"آثار اليهود", وكتاب "الطواف حول البحر الأريتري" الذي لم يعرف مؤلفه. كما كان بليني وبلوتاركس وإليوس غالس - قائد حملة غير موفقة على اليمن سنة 24 قبل الميلاد - من بين الذين كتبوا عن الأنباط". إذن وحتى ذكر "الحجر" في الكتابات الكلاسيكية كان من خلال الحديث عن الأنباط وليس عن الثموديين, فهل هذه هي "الحجر" حاضرة الثموديين؟ وهل كان ثمود هم من عاشوا فيها فقط؟ خاصة أنهم كانوا خلفاء الأرض من بعد عاد.

الحجر وقوم ثمود
مطلق سليمان أحمد المطلق - باحث آثار في دارة الآثار والمتاحف في الهيئة العليا للسياحة والآثار بمحافظة العلا يقول من جهته: أول من استوطن وادي القرى, خاصة في منطقة الحجر كان الثموديين. ويضيف: والثموديون بمعناهم الواسع هم القادمون من أواسط الجزيرة العربية وهم عرب بلاشك انتشروا شمالا حتى حائل والجوف وتيماء حتى وصلوا الى هذا الوادي واستقروا فيه. وهؤلاء بالطبع هم جزء من الثموديين, والثموديون كانوا خلفاء في الأرض من بعد قوم عاد, كما تذكر الآيات القرآنية في سورة الأعراف في قوله تعالى: "وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم اية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم, واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين". ويضيف المطلق متسائلا: كيف استدللنا على وجود الثموديين في هذه المنطقة؟ ويجيب على سؤاله قائلا: أولا: من الكتابات الكلاسيكية القديمة ممن كتبوا عن هذه المنطقة "حجرو" و"حجرا" فقد ذكروهما بالاسم.
ثانيا: مرور الرسول صلى الله عليه وسلم بها, وقبل ذلك ذكرها في القرآن الكريم كمسمى ووصف.. قال تعالى: "ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين" وقال: "إرمَ ذات العماد, التي لم يخلق مثلها في البلاد, وثمود الذين جابوا الصخر بالواد, وفرعون ذي الأوتاد" كتسلسل تاريخي إلى آخر الآيات, وقوله تعالى: "وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين".. وقال تعالى: "أتتركون في ما هاهنا آمنين في جنات وعيون, وزروع ونخل طلعها هضيم". وكذلك عندما نزل معاوية بن أبي سفيان في زيارة من بلاد الشام للحج مر من هذا الوادي وذكر هذه الآيات, إذن فهذا وصف كامل ولا داعي لأن نخلق وصفا آخر. ولكم أن تتخيلوا هذا المكان قبل آلاف السنين في الفترة التي وصفها الله سبحانه وتعالى في هذا الوادي كيف كانت هذه المنطقة. خاصة ان هذه المنطقة, كانت مغمورة بالمياه قبل مليوني عام خاصة منطقة الحجر. وعمر الصخور يعود الى ما قبل (400 - 600) مليون سنة وبعضها ذات اصول بحرية والبعض الآخر ذات أصول برية. وقد وجدنا في منطقة الحجر قواقع, ودرست من قبل المتخصصين الأكاديميين.
ويضيف المطلق: المهم في الأمر أن نقف عند منطقة الحجر حيث ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك حينما صلى العصر في وادي القرى, وسبقه الصحابة رضوان الله عليهم الى الحجر الذي هو الوادي ولتوا العجين والماء, ولما أتاهم الرسول صلى الله عليه وسلم على المغرب فقال لهم أهرقوا الماء واعلفوا العجين للإبل, وهو حديث عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه ورد في صحيح البخاري والى آخر الحديث فقالوا لماذا يا رسول الله فقال: هذه ديار ثمود قوم عذبوا فأخرجوا عن هذا الوادي حتى لا يصيبكم ما أصابهم فأعلفوا العجين للإبل واهرقوا الماء ولا تدخلوها إلا باكين أو مستبكين. وأحاديث أخرى تصب في نفس الموضوع إضافة الى ما ذكر في القرآن الكريم, وما ذكر في الكتابات الكلاسيكية القديمة, وما كتبه العلماء والرحالة وكتاب السير من المسلمين الذين ذكروا هذا الوادي بالوصف وبالمسمى. لذلك فإن اعتمادنا الكلي في أن هذا الموقع هو للثموديين يعتمد على كل هذه الأدلة الصريحة والواضحة. وهنا نقف نحن كدارسين لعلم الاثار امام هذه الادلة الصريحة كإثبات من القرآن الكريم والحديث الصحيح وما كتبه الرحالة المسلمون ومنهم المقدسي وياقوت الحموي وكتاب السير الآخرون عن هذا الوادي وعن وصفه ما بين الشام وما بين المدينة المنورة وما بين وادي القرى فهي تقع في المنتصف ما بين بيت المقدس ومكة المكرمة.
وما كتبه الرحالة والمستشرقون عن هذه المنطقة حيث زارها تشارلز ديوتي عام 1884 ميلادية وزارها جوسين وسافنياك من عام 1906 - 1909 ميلادية, إذ زاراها مرتين, وسجلوا جميعهم - النقوش والكتابات الموجودة وصوروها. وأثبتت الدراسات العلمية على أن جميعها نبطية, وفوق ذلك فإن أحد هذه النقوش يتحدث عن "الحجر", وجاء فيه: "وإن هلك أحور في الحجر فليدفن في هذه المنطقة", وهذا يدل على أننا في نفس المكان طالما أن النقش وجد فيه. والدليل الآخر انه لا يوجد مكان آخر فيه مثل هذه المنحوتات في الجبال قال تعالى: "وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين" و"وينحتون من الجبال بيوتا آمنين".
فنحن نقف امام هذه العظمة الموجودة سواء أكانت هذه العظمة للثموديين وما أعطاهم الله من القوة ومن حذق في النحت ومن الجبروت, وفي نفس الوقت ما نتحدث عنه في ما يتعلق بالانباط الذين جاءوا بعد الثموديين قال تعالى: "وتلك الايام نداولها بين الناس" قوم يذهبون ويجيء مكانهم قوم آخرون وهكذا هي سنة الحياة, والنقوش اثبتت ان هذه هي الحجر التي عاش بها قوم ثمود, والواجهات والنقوش تثبت انها للأنباط. فهم قوم جاءوا مكان قوم سبقوهم في نفس المكان.
ولايهمنا من كل ما ذكره المستشرقون سوى انهم اثبتوا ان هذا الموقع هو الحجر في الترجمات والدراسات.وقد تزول الدول والحضارات بسبب كارثة عسكرية أو كارثة اقتصادية أو كارثة مرضية, والمنطقة كفيلة بأن تتعاقب عليها الحضارات لما تملكه من مقومات اقتصادية. خاصة ما هو في منطقة الخريبة أو في مدائن صالح أو في المابيات جنوب العلا كموقع اسلامي, أو في الفاو جنوب الجزيرة العربية وما هو موجود في المواقع الاثرية الاخرى. تأتي حضارات وتزال حضارات او تضيف عليها أو تغير, وربما هذا ما حدث هنا عندما جاءت حضارة الانباط الى الوادي واستمرت من منتصف القرن الثاني قبل الميلاد الى سنة 106 ميلادية, وهذه الفترة كفيلة بأن تحدث تغيرات في الحضارة التي كانت قبلها وتغير في المنحوتات او النقوش خارجها وداخلها وقد اضافت داخل الغرف مقابر ونقوشا ودفنت, وكل هذه ما زالت أدلة خاضعة للبحث العلمي.