عبدالحفيظ الشمري
(التغبيرة) الكشف العلمي المذهل؟! النموذج الذي يفطر القلب على مآل تفكيرنا الشبابي، والنصراوي والاتحادي، فالتغبيرة هذه هي من قبيل تقليعة جديدة جداً يمراسها الشباب في سياراتهم بمختلف الأنواع، وتظهر مناوئة لفكرة التلميع والنصاعة التي تتطلبها لحظات استعراض الملاحة، والدوران في الشوارع بكل رشاقة.
إلا أن هذه التغبيرة تأتي تصرفاً معاكساً للسائد تماماً، فرغم أنها ممارسة جديدة إلا أنها لا تخلو من سيرة غابرة، أو مرحلة غبراء قد تذكرنا بسنة الغبار، وأزمان الجدب، والجرب، والرمضاء، وكوي القروح لدى بعض الكائنات البرية، ليقلل هذا الغبار، أو (التغبيرة) من سعائره لا سيما إذا ما تقلب بالخلاء وقلب مزاج لونه إلى الترابي المغبر.
البعض يرى أن هذه الخطوة التي يقوم فيها الشباب على وجوه سياراتهم، وعلى جوانبها ما هو إلا من قبيل الموضة الغبراء المفاجئة في تكوينها، إذ تعكس هذه التقليعة شعوراً ما بالتخفي وراء مزيد من الغبار، والتلوين والعتمة المصطنعة، وكأنه شرح نفسي مستفيض لمآل حياة بعض هؤلاء الذين لا هم لهم إلا متابعة التغبيرة وشرح مزاياها العميمة!
فرغم هذه الحالة الهياجية الغبارية وتنويعات ألوانها العجيبة بين الشباب في مختلف أنواع السيارات يظل المرور صامداً في ملاحقته لهذه الظاهرة وأهلها، فعلى أقل تقدير قد يوجه التوبيخ أو الغرامة، أو بهما معاً، في محاولة لكبح جماح هذه التغبيرة وأهلها، فالمرور يصر على أنها غير نظامية وهؤلاء يرون أنها من قبيل إضفاء الجاذبية على السيارة وراكبها.
يا عيني على هذه الهوايات الجديدة (المغبرة) وعلى الأحلام (المطينة)، والأوهام ذات الألوان الشاحبة، تلك التي لا تعبر عن أي بعد واعٍ، أو هدف سامٍ، فحتى الهوايات - فيما يبدو - نراها الآن وقد انحدرت مع أمر هذه التغبيرات لتصبح من قبيل التهافت، وتدني مستوى الوعي لدى هذه الفئة من المجتمع الذي نتوسم فيه أن يكون أرقى من هذه الممارسات غير المجدية.
الظاهرة هذه لا تقدم أو تؤخر، إلا أنها تعكس شعوراً قوياً في البحث عن الذات، أو ربما هو تأصيل لفكرة تعلق قديم لمجتمعنا بالسيارات منذ عشرات السنين، لنرى أن السيارة هي الأثيرة، وقد تحولت من كونها وسيلة إلى غاية يحلم بها هؤلاء الذين لا يجدون ما يشغلون به أنفسهم سوى الجري وراء مثل هذه التحولات بين التلميع، والتلوين، والتغبير.
فتغبيرة الشباب لسيارتهم، والتظليل المعتم، والتلميع الساطع، والنقش بالحروف الأولى على خلفية الجماجم والقلوب القاطرة حمرة قانية، والتسحيب وما إلى تلك المترادفات التي تنم عن تراجع وانحدار خطير في مفاهيم مقتنيها، وسائقيها الشباب، وغياب كامل للوعي المفترض بأدوارهم، وبأعمالهم فبات من المهم أن تتم مناقشته كحالة مرضية يجدر بالجميع أن يوجد لها علاجاً ناجعاً، ربما يسهم في حل بعض المشاكل التي تأتي من هذا القبيل، وإن كانت ظاهرة (التغبيرة) في الحقيقة هي أقل الأمور خطورة، وأهونها على النفس إذا ما تم مقارنتها بظواهر المخدرات والجهل والعزوف عن الزواج والتقاط العادات الخطيرة ذات المساس بالشخصية والمعتقد.
المفضلات