أدب الشباب في الصين الشعبية
كل ما يوجد في الصين معروض بكثرة. هذا ما يستنتجه المرء وهو يزور مكتبات بكين. يتعلق الأمر بسوق كبيرة للكتب، الناس في كل مكان واقفون، وآخرون جالسون القرفصاء، طلبة، متقاعدون، رجال أعمال، أمهات، أولاد، الكل يتصفح الأوراق، غارق في القراءة.
الصين ليست فقط بلداً بعدد سكان كبير ومعدل نمو مرتفع، هي أيضا بلد، على الرغم من الفقر والأمية، ينمو بسرعة كبيرة، وبالتالي تزدهر سوق الكتب، هناك، أكثر من أي بلد آخر. القراء تزداد أعدادهم في هذا السوق، والكتب أيضاً. رفوف كثيرة عن الآداب الكلاسيكية، رفوف أخرى تزدحم بالآداب الحديثة، وأخرى مخصصة للشعر والمسرح والآداب العالمية.
هذا الطوفان من الكتب الذي لا يمكن مقارنته بأي شيء آخر في الغرب، تغلب عليه السيرة الذاتية أو ما هو مستوحى منها، بأقلام كتاب شباب. مقابل هذه الحيوية في المكتبات وسوق الكتاب بشكل عام في الصين يتساءل المرء عن سر هذا الأدب الذي استغرق وقتا كبيرا كي يصل إلى القارئ الألماني خصوصا، والأجنبي بشكل عام. فمنذ ظهور الترجمات الأولى لكتاب «كمويان» و«شو تونغ» وأخرين الذين تأثروا بكتاب عالميين كجيمس جويس وغابريال غارسيا ماركيز، بعدها بدأت تظهر ترجمات أخرى لمؤلفين شباب منهم من لم يتجاوز سن العشرين «كميان ميان» صاحبة كتاب بعنوان «لا لا لا» و «واي هو» صاحبة «شانغاي»، كاتبتان تناولتا تفاصيل الحياة في المدن الكبيرة ومتاهاتها اليومية كالجنس والمخدرات ومتاهات الحرية، شكلتا انطلاقة لما عرف فيما بعد بموجة «أدب البوب». إذ ظهرت بعد ذلك أونطولوجيا تحت عنوان «الحياة هي الآن»، وهي عبارة عن حكايات قصيرة لكتاب شباب ولدوا بعد سنة 1960، كانت كلها تأكيداً «للبوب ليتيراتور»، وكتاب «ليلك نهاري» للكاتبة «ميان ميان»، محكيات قصيرة عن متاهات الحياة اليومية في المدن الكبيرة وأسئلة الشباب. تقول «أني بايبي»، وهي أصغر كاتبة في الأنطولوجيا من مواليد 1974، «لا أستطيع الكتابة إلا عن الأناس الذين اعرفهم»؛ تكتب عن أناس عاديين. تهتم وزملاء لها مثل «شون شو» و«با كياو» بأناس لم يعيشوا بالضرورة قدرا بطوليا.
هذه النظرة الدقيقة للتفاصيل أو النظرة من تحت، يساهم فيها أيضا الكاتب الشاب «وايواي» الذي نشر روايته الثالثة، وكذا «فوشينجون» و«مالان» الذين يصفون جميعا بنية الأسرة الصينية التقليدية التي تنهار تدريجيا، أو الذين تنهار الأرض من تحت أقدامهم، الذين لم يعودوا يفرقون بين الحقيقة والفانتازيا.
على الرغم من التطور السريع لأدب الشباب الصيني الحديث، فإنه دائم البحث عن ذاته، يلتصق بالواقع المجتمعي، يستوحي أحداثه وشخوصه من الرؤى الذاتية، لكن دون أن يكون وفيا للمذهب الإيديولوجي الذي ميز كتابات عقد الثمانينات. إنها كتابة عن الواقع لكن دون الانجرار إلى البطولة الواقعية.
هؤلاء الكتاب الجدد، كانوا، إما مراهقون أو صغار عندما شارفت الثورة الثقافية التي دشنها «ماو» على نهايتها، وبالتالي لم يعيشوا متاهاتها. وحتى وان لم يكونوا أيضا حاضرين في انتفاضات ساحة «تيان مين» الدموية سنة 1989 فلقد خلفت هذه الأحداث انعكاساتها على حياتهم. فهم ينتمون الى الجيل الأول من الفنانين الذين تأثروا بالأفكار التحررية لهذه التجربة التي بدأت تبتعد تدريجيا عن حاجيات الأسرة والمجتمع.
يوضح جلهم أن الأوضاع الثقافية في الصين متذبذبة وأنها تفتقر لبنيات مضبوطة، بل ان جمعية الكتاب التابعة للدولة، لم تعد لأغلب هؤلاء الكتاب، ولأسباب سياسية وأخلاقية، الممثل لهم، وأغلبهم اكتفى بدور الملاحظ المهادن، حيث أن هذا الدور الجديد المتواضع للكتاب الصينيين الذي ابتعد نسبيا عن المهمة التربوية او دور المعارضة، لا يعجب فئة كثيرة من القراء. الرقابة، الغول الذي يرهب الكتاب الشباب والناشرين في الصين، إذ يؤكد جميعهم أن الرقابة توجد بكثرة، وأنها تلعب دورا كبيرا، غير أن البعض يرى أن الانترنت خففت من هذا العبء. والناشر «يان نيغ» يشاطر وجهة النظر هذه، فبالنسبة اليه ليست الرقابة وحدها الحاجز الوحيد، ولكن السوق نفسها أيضا، التي تسيطر عليه دور النشر الرسمية الخاضعة لتوجهات الدولة. ففي كل مرة، إذا أراد مثلا «يان نيغ» أن ينشر كتابا جديدا، يجب عليه أن يحصل على رخصة يصل ثمنها الى ما بين 2000 و3000 يورو، في حين أن دور النشر المكرسة معفاة من ذلك. إضافة إلى ذلك، بما أن المكتبات هي الأخرى تخضع للتوجهات العامة للدولة، نجد ان مساهمات المكتبات ودور النشر الصغرى والخاصة في إنعاش الحياة الثقافية في الصين جد محدودة. وبدأت الأوضاع، تشهد انفتاحا محدودا فقط، بعد توقيع الصين على اتفاقية التجارة العالمية في أواخر السنة الفائتة. فيان نيغ يحاول التوفيق بين سلطة الرقابة وتحولات سوق الكتاب في الصين، وذلك بنشره للكتاب المكرسين دون أن يغفل الكتاب الشباب.
أبو تميم ـ بكين
المفضلات