عكاظ . جولة وتصوير: سعيد معتوق (ينبع)
ما إن تطأ قدماك المنطقة التاريخية لينبع حتى تصاب بحالة من الذهول من حال هذه المنطقة التي تعتبر بحق القلب التاريخي للمدينة.. قبيل دخولك يلفت نظرك عدد من كبار السن يسترجعون تاريخ مدينتهم من خلال النظر الى البحر الذي لم يعد يُرى لهم الا طرفه بسبب الميناء الذي غطى عليهم زاوية تاريخية كانوا ينظرون منذ عشرات السنين
لا تستغرب ان تجد شخصا يتذكر كيف كان ينزل الى البحر من هذه النقطة المقابلة للمنازل القديمة حيث كانت السفن والمراكب تذهب بهم في عرض البحر لاصطياد الاسماك والعودة بها حيث انها كانت تعتبر مصدر الدخل الوحيد للمدينة.
وبالعودة الى المنطقة التاريخية فإن البيوت المهدمة فن تاريخي لا يمكن اغفاله وحسب رأي عبدالعزيز علام وهو أحد الاسماء التي سكنت قديما في هذه المنطقة فإن تاريخ العوائل التي كانت هنا تاريخ حقيقي لا يمكن ان يتم التغاضي عنه واغفاله وهي الاسماء التي كونت ينبع الحديثة وهي عائلات معروفة هنا ولذلك قلما تجد في ذلك الوقت أحدا من خارج هذه العوائل في المدينة نظرا للخصوصية التي كانت تحملها المدينة في داخل كل فرد من ابنائها.
ويضيف: كانت المباني تزين بالرواشين وكانت غالبيتها تبنى من الطين ومن النادر ان تجد بيوتا ذات الوان مختلفة من احمر او ازرق او اصفر وهذه الالوان لم تكن تزين قديما الا بيوت اصحاب الأموال أو اصحاب الثروات العالية في المدينة، ويضيف: أما بقية الناس فقد كانوا لا يهتمون بهذه الأمور قديما بل انهم كانوا يعيشون على أساس الذهاب الى البحر والبقاء فيه لفترة قد تصل الى الشهر ثم العودة ولذلك لم يكونوا مشغولين بأمور تهتم بالبناء واموره المختلفة بل انك تجدهم ينظرون الى هذا على اساس انه من الكماليات وهذا وارد فيما رواه لنا القدماء من أهلنا.
الى ذلك قال رئيس لجنة التراث عواد الصبحي ان أول سور بني حول ينبع كان في تاريخ 915هـ تقريبا وقد سمي به أول حي في ينبع وكانت الادارات الحكومية القديمة والميناء وسوق ينبع قريبة من هذا السور وسمي «بالصور» نسبة الى السور وهو المحيط بالشيء من بناء ارتفع عن الأرض وكانت بوابة المدينة تقع ما بين آل المقدم ومسجد ابي علوان وكانت هناك بوابة اخرى لسور مدينة ينبع تسمى باب الحديد ولازال هذا الموضع معروفا في ينبع وجدد السور عام 1126 وربما يكون حي «الخريق» أقدم الاحياء غير انه كان خارج سور ينبع الأول وشيد السور الثاني عام 1303 حماية لمدينة ينبع ومن بوابة ذلك السور الكبير في قلب ينبع والبوابة الثانية كانت تسمى بوابة السيارات وهناك ايضا في غرب ينبع بوابة صغيرة على محاذاة حي القاد وتؤدي الى مقبرة ينبع وقد هدم السور في عام 1375 بحكم التوسعة والتخطيط.
وخلال جولتنا مع رئيس لجنة التراث كان الهدد هو السمة الغالبة في المباني وهذا ما كان محل سؤالنا حول الاهمال الكبير من الناس لهذه الآثار فوجدنا الاجابة ان هناك اسبابا كثيرة تقف في وجه ترميم مثل هذه المباني أبرزها ان هناك جهات وعدت بتنفيذ مشاريع للقيام باصلاحات في المنطقة التاريخية أبرزها حسب رأيه هيئة المساحة الجيولوجية التي ارسلت مندوبا لزيارة المنطقة ولكن للاسف لم يحدث أي شيء من هذا القبيل بل اننا كنا نعتقد انهم سيدعمون القيام بجهود تنفيذ ما تبقى من تراثنا ولكن للاسف لم نجد محصلة حقيقية من هذه الدراسات، وكانت وزارة التربية والتعليم ممثلة في وكالة الآثار قد قامت بترميم اثنين من المنازل احدهما اطلق عليه اسم منزل الوكالة.
وقد قامت الوكالة بجهود ترميم هذين المبنيين فقط وبعدها افتقدت المنطقة الدعم سواء المادي أو المعنوي للحفاظ عليها.
لم يغفل بعض الاهالي رغبتهم في تجديد المنازل وهناك نموذج لشاب ينبعاوي قام بتجديد بيته والحفاظ عليه رغم انه يقطن خارج المنطقة يقول «احمد بغدادي» لقد قمت بتجديد منزلي الذي يحمل تاريخ عائلتي حفاظا على هذا التاريخ من الاندثار وكما تشاهد فجميع المنازل من حولنا اندثرت وتهدمت.
البغدادي ليس وحده من الناس وهناك مئات يرغبون في تجديد منازلهم ولكنهم لا يستطيعون ذلك نظرا لان المنطقة لا تساعد على اعادة بناء ما خلفته أىادي الهدم وعوامل تعرية المنازل ولذلك فاننا نجد ان المنازل القديمة قد خسرت كثيرا من بنيتها التحتية ولا يوجد أي قاطن فيها نظرا للخوف من ان يتسبب بقاؤهم فيها في تهدمها.
تحذير
خلال سيرنا ما بين منازل البلدة القديمة كانت هناك لوحة تشير الى «ازالة للمباني» وهذه اللوحة وضعت من البلدية، حيث تهدف إلى ازالة جميع مباني المنطقة التاريخية وهو ما شكل احتجاجا فعليا من قبل الاهالي الذين يرون ان ازالة هذه المباني سوف تؤدي فعليا إلى طمس تاريخ المدينة القديمة مما يفقد الاجيال القادمة مرجعا تاريخيا هاما يصعب الرجوع اليه.
ولا تنتهي معاناة المنازل القديمة عند هذا الحد بل انها تجد من الاهمال ما يصعب معه الحفاظ ولو على جزء صغير منها ولذلك فإن احد اسباب عدم ترميمها حسب كلام الصبحي يعود الى ترابطها مع بعضها وحيث انها بنيت قديما بجوار بعضها نظرا للألفة التي كانت موجودة بين الأهالي ولذلك فإن المنازل متلاصقة وعندما يتعرض اليوم احد هذه المنازل للهدم تجد ان بقية هذه المنازل قد تهدم للاتصال به وذلك فإننا عندما نحاول ترميم احد هذه المنازل نجد صعوبات جمة في آلية الحفاظ عليها ولكننا نحاول ترميم ما يصلح للترميم أما الباقي فلا نقوم بأي جهود بسبب العوامل المرتبطة بها اضافة الى العوائق المادية وعدم تكفل جهات داعمة بترميم هذه الأماكن.
وعندما يأخذك الطريق الى السوق الشعبي القديم بينبع النخل فإنك تجد نفسك امام تاريخ لا يمكن ان يعيش قيمته الا من خلال اصحابه دائما ما يتذكر اهالي ينبع النخل الايام القديمة التي كان فيها هذا السوق احد اهم المراكز التي يلتقي فيها ابناء المدينة المنورة مع اهالي ينبع ليتبادلوا شراء وبيع منافعهم التي كانت قديما لا تتعدى بعض ادوات النجارة وبعض اللحوم والخضروات التي كانت تزرع في المناطق القريبة من السوق.
عند دخولنا الى السوق كان اول محل عبارة عن ملحمة كان مرافقي عبدالعزيز عزام يتحدث عن بقايا «معاليق» توضع فيها الذبائح وتعلق فيها ورغم طول السنين التي تجاوزت الخمسين عاما الا ان آثار الحديد ما زالت موجودة وهو ما يوحي بأن هذا المحل هو المكان الوحيد لبيع اللحوم في السوق وهذا ما اكده لنا لاحقا عدد من كبار السن في المنطقة.
وتتراص المحلات بشكل دائري على طول السوق مع وجود طريق يفصل المحلات المتقابلة عن بعضها البعض ويستمر هذا الطريق حتى يصل الى احدى العيون التي كان اهالي السوق ومرتادوه والقريبون منه يشربون الماء منها ولذلك فلا تستغرب اذا سمعت احد اهالي ينبع النخل يتحدث عن السوق او السويق فهو التاريخ الذي لا يمكن لاهالي ينبع تجاهله.
الاهمال
ورغم اعتزاز اهالي ينبع بهذا الامر الا ان الاشكالية التي ما زالوا يشكون منها هي طمر الاتربة لاجزاء السوق حيث تلاحظ وانت تمشي بين جنباته ان الغبار يتصاعد بين اقدامك نظرا للحالة التي وصل لها السوق فجفاف العيون جعل من المنطقة بكاملها منطقة صحراوية مما اسهم في اندثار السوق وتعطل عمله.
يقول مؤرخ ينبع عواد الجريسي ان جفاف عيون المياه اسهم في تدمير السوق حيث تحول السوق الى «خرابة» بل انه تحول في لحظة من اللحظات الى مرتع لبعض الحيوانات نظرا للهجرة التي عانتها المنطقة بشكل عام مما ادى الى خلو هذه الاسواق من اهلها.
المفضلات