[grade="00008B FF6347 F4A460 4B0082"]معاناة لقيـطة
---------
كان القمر مضيئا ، وكان الشهر منتصفا حين ذهب ( عبد الله ) لأداء مهمته الدينية التي اعتاد عليها منذ كان شابا يافعا ،فقد كان يحرص على قضاء الهجيع الأخير من الليل في المسجد يرطب فؤاده بتلاوة القرآن وصلاة التهجد ، وحين وضع قدمه اليمنى على سلم المسجد تراءى له في ضوء القمر لفافة بيضاء فدنا نحوها ثم جثا إليها فوجدها تحيط بطفلة في
أيامها الأولى غارقة في نومها ، وقد وضع تحت عنقها ورقة بيضاء تقطر كلماتها أسى وحزن كتبتها يد أم هذه الطفلة ، وتشير بالدعاء لمن يرعى هذه الروح الطاهرة بعد أن لفظها الزمن لأنه لا يمدها بالعمل الشريف صلة !!!!
فقد كانت ضحية خطأ كبير ارتكبه رجل وامرأة ولم يحسبا للزمن والدين حساب !!!!
وحين رأى هذا المشهد المؤلم وقف وقفة الكريم الذي تؤلمه مناظر البؤس ، وحملها وذهب إلى منزله ، واستدعى زوجته وسرد عليها حكاية الصغيرة ...
كانت عينا الطفلة متورمتين اثر بكاء شديد يبدو انه بكاء الجوع الذي جلب خلفه النوم العميق .
أخذتها الأم بين ذراعيها وألقمتها ثديها الحنون فعادت للنوم .كانت هذه الصغيرة تكمل عدد الأبناء الخمسة .
عاشت بين أفراد الأسرة سعيدة هانئة ، وطرقت باب التعليم كسائر إخوتها وقد بلغت بها عناية الأب والأم ما الله به عليم .
كانت ( مرام ) جميلة وجذابة ذات خلق ودين وأدب جم ، وفي ذات يوم جمعتها الأقدار مع إحدى الطالبات بالمدرسة .
كانت في القرية ذاتها وفي المرحلة الثانوية أيضا .
همست في أذن مرام قائلة :
ألم يظهر أحد أبويك بعد ؟
أم أنه راق لك العيش لقيطة مع أب وأم كريمان ؟
نظرت إليها فاغرة فاها مندهشة تسألها بحركة رأسها وعيناها الدامعتان دون أن تنطق بنبت شفة ماذا تقولين ؟
فأعادت إليها ما قالته موضحة حقيقة سر أمرها المدفون .
عادت إلى البيت مع إخوتها باكية .. لا تجيب على أسئلتهم الحائرة ولا تنظر إلى أعينهم الحزينة لمصابها .
دخلت على أمها ، وأخذت تبكي وتنتحب ، والأم تسألها وتضمها إلى صدرها ، وبعد أن هدأ روعها وحزنها أخبرت الأم بما أصابها اليوم ، وعاتبتها لعدم اطلاعها على حقيقتها ...

قالت الأم بعد أن أبكاها الموقف :
اسمعي يا مرامي ....
فقاطعتها الفتاة بنظرة حزينة صامتة حائرة وقالت :أنا لست مرام أحد .... إنني غريقة في الظلام أتعلق بأشعة المصابيح المنعكسة على صفحة النهر !!!
ثم وضعت كفيها على وجهها وصرخت باكية ...
احتضنتها الأم على مشهد من إخوتها الذين أذهلتهم الحقيقة التي ضلت سنينا طويلة مختبئة خلف ستار أسود قاتم لا تكاد ترى العين ما وراءه من أسرار ،ثم أخذت الأم تسرد عليها حكاية طفولتها وقالت :
نعم ... هذه هي الحقيقة ، ولكن هناك شيء كبير وعظيم وهو انك في منزلة أبنائي وأنا ووالدك نكن لك حبا كبيرا .
أعلم يا بنيتي أن هذه الفتاة حاقدة .
لا ترجو مما قالته سوى أن ترى ظلمة من الحزن والألم تسيطر على حياتك ...
ثم ساد صمت برهة وقالت الأم :
اخرجي لي كتابا من كتبك يا بنيتي ..
ثم تناولته وقرأت ما دونته مرام على الغلاف ، وأحاطت بيدها على كتفي الفتاة وقالت :
انظري ياحبيبتي ... ماذا كتبتي هنا ؟
فقرأت الفتاة : مرام عبدا لله محمد أحمد...
ثم عادت للبكاء ، فهدأتها الأم وقالت : أترين يا بنيتي؟
أنا أحبك ووالدك أيضا يحبك وقد كانت حياتك
هنا بيننا وتحت سمعنا وبصرنا ومنذ أن وجدك ( عبد الله ) وأنت
ابنته ... اسمك مقرونا باسمه ... فماذا يضيرك كلام الناس ياحبيبتي ؟
أجابت مرام : أنا أيضا أحبكم جميعا ولكني لم أكن أعلم سر حقيقتي ... فلماذا لم تخبروني بها منذ طفولتي لأستريح ؟
قالت الأم مبتسمة :
وماذا عسى أن يكون الفرق بين معرفتك الآن أو قبل أو بعد حين؟
أجابتها مرام :
الآن فقط أحسست بأني أحمل قلبا مجروحا لو عرضته في سوق الهموم ما وجدت من يبتاعه مني بأبخس الأثمان ....
ثم ساد صمت قالت بعده مرام :
معك حق يا أماه إن هذا أو ذاك لن يغير من حقيقة أمري شيئا ...

آه .... سامحكما الله يا والديّ ...
أي غلطة باهظة ارتكبتموها لأدفع الثمن غاليا ، وأصبح صفحة بالية في كتاب الدهر الغابر ....
ترى من تكونا ؟ وأين أنتما الآن ؟
آه ... كم نحن اللقطاء معذبون حين تلقي بنا الأقدار في مدارج الطرق ، وتحت مواطئ النعال !!!
لا... لستما أبواي ....
الأب والأم ليسا والدين ينجبا فحسب ...
بل إنهما من أنجبا ، ووهبا حياتهما لأبنائهما يضلانهما من حرارة القيظ وصبارة البرد ، ويسكبان على حياة أبنائهما كل حب وحنان ، ويزيلا الأشواك من دربهم الطويل لكيلا يتعثروا
أويصابوا بجرح ما قد يعيق سير حياتهم ...
هذا كله يا أمي وجدته بين أيديكما .... أنتما والداي ولا أعرف سواكما ...
ثم هوت على صدر أمها باكية :
سامحيني يا أمي ...
دخل والدها وسأل عما حدث ؟
ثم دنا نحوها خطوات ، وفتح ذراعيه وضمها إلى صدره :مرام يابنتي لا تأبهي بكلام الناس ... أرواحنا فداك ... فلا تخشي الدهر شيئا ....
فما كادت تسمع كلماته حتى أشرقت أسارير شمس الأمل على حياتها وانفرجت أسارير وجهها عن ابتسامة صافية كاد الزمن يقضي عليها لتموت ..
هكذا هي حياة ( مرام ) التي عوضها الله عن والديها بحنان لا مثيل له ....
ولكن بالجانب الأخر لقيط في الملجأ يصرخ ويعاني !!!!
ترى ما ذنبه هو الآخر ؟؟؟[/grade]