كانت مدينة ينبع البحر في السابق مثلها مثل مدن و بلدان العرب الكبرى تنقسم إلى عدة حواري ومفردها حارة ويطلق أيضاً على الحارة أيضا اسم محلة وفي داخل كل حارة توجد عدة حلة أو عدة حلل وهي مساحة من الأرض الفارغة من البنيان تكون متنفساً لأهل الحارة ففيها يلعب أطفالهم وتقام فيها المناسبات ويقضي فيها الرجال وقتهم خلال فترات فراغهم

وحارة الصعايدة كانت من أهم حارات ينبع إن لم تكن هي أهمها
فمن حيث المساحة هي أكبر الحارات مساحة مما جعل فيها عدة حارات
ويبدو لي إنطلاقا من مساحتها أنها الأكثر من حيث عدد السكان
كما أن بنيانها العمراني له مميزات فجميع بيوتها تطل على حلل وتكون في الأقل مكونة من دورين وجميع دورها بها رواشين ومعظمها لها أكثر من باب كما أن معظم بيوتها بها برك لتخزين الماء تشبه لحد ما الصهاريج إلا أنها أصغر كما أن أبوابها ورواشينها بها نقوش وزخارف بديعة
أما من الناحية الإجتماعية فمعظمهم تربطهم صلة قرابة أو رحم
في الداخل كانت مثلها مثل حارات ينبع منضبطة جدا سلوكيا وتربويا كان الكبير فيها يؤدب الصغير ويوجهه إذا أخطأ حتى لدرجة الضرب فهناك عادات وتقاليد لا يسمح بتاتاً بتجاوزها في حارة الصعايدة كانت الطبقية مرفوضة بل معدومة بالرغم من أن جميع أغنياء وتجار ينبع من هذه الحارة الكبير يجالس ويخالط الصغير وأبناؤهم لا تجد فرق بينهم والمجالس مفتوحة للكل
وعلى ذكر المجالس كانت مجالس حارة الصعايدة متنوعة جداً
ففيها مجالس العلم ومجالس للفتوى ومجالس للأدب الشعبي والفنون إضافة للمراكيز فمجلس الشيخ المفتي ياسين هباش كان به درس في العلوم الدينية يومي
ومجلس الفتوى كان عند الشيخ حامد خلاف حيث كان يقصده الناس من كل مكان ويذكر لي أحد الأصدقاء أنه كان إذا قيل أن الشيخ حامد أفتى بكذا يكون لا رجعة فيه وكنت أشاهد كثيراً الشيخ محمد حامد القباني شبه يومي عند الشيخ حامد خلاف رحمه الله تعالى
أما مجالس التجار فكان مجلس للصعيدي ومجلس لإبن جبر ومجلس للحجي ومجلس لأبو صابر ومجلس لمحمد حامد عبدالقادر طبعاً المجلس هذا قديم أنا لا أذكره ولكن كان البيت مقابل لبيتنا من الجهة الجنوبية وكنت أشاهد فيه غرفة كبيرة يقال لها المجلس
أما مجالس الأدب الشعبي والفنون فلا أظن أن هناك شاعراً ولا فناناً إلا يمر ويعبر من بوابة مجلس حسين محسن رحمه الله تعالى .
وفي مجال التعليم كان جميع مديري مدارس ينبع ومعظم معلميها من حارة الصعايدة
ابتداءً من أول مدير لمدرسة ينبع الشيخ أحمد أبو بكر أبو طالب وهذا الرجل يحتاج للتعرف عليه حيث أنه هو ومحمد مصطفي خطيب قائم مقام ينبع ( الحاكم الإداري لينبع من قبل الأشراف أنذاك ) أقول وبالله التوفيق أن هذين الرجلين هما من عقدا معاهدة تسليم ينبع مع قائد جيوش الملك عبدالعزيز المحاصرة لينبع وعقدت هذه المعاهدة في روشان أذكره جيداً في بيت أحمد أبو بكر أبو طالب ومنزله أمام منزلنا مباشرة جنوب منزل الشيخ حامد خلاف وكان منزلا فخما وجميلا . أعود لمديري المدارس فبعد أبو طالب كان صاحب الفضل الكبير على التعليم الشيخ حامد خلاف الذي مر على جميع المراحل التعليمية وثم الأستاذ عبداللطيف حادي مدير مدرسة الشاطئ وعبدالحميد خلاف مدير طارق بن زياد وعدنان خطيب مدير السعودية ويوسف حادي كان مديرا لمدرسة في ينبع النخل وكذلك أخوه عبدالله وكان هناك مديرين لإدارات أخرى مثل الأحوال والجوازات والميناء وكان الخمسينيات مديرها الشيخ أحمد حسن سبيع ومنزله لا زال موجوداً وهو جدي لأمي أما المراكيز فحدث ولا حرج . أشهرها مركاز العمدة بركة خطيب الذي كان إذا مر بالحارة صكصكت أقدامنا ببعض من هيبته والخوف من الخطأ أمامه وكان يجتمع عنده بقية العمد وكبار الرجال وعنده تنتهي المشاكل و النزاعات .
ثم مركاز حسين محسن وفيه يجلس أهل الأدب الشعبي والفنون الينبعاوية التي صقلت في مركاز حسين ثم مركاز مساعد الفايدي الذي لا زال إلى يومنا هذا ومركاز مستور حمزة وهو نهاية حدود حارة الصعايدة مع الصور كما يوجد جلسة الركن في حلة رفاعة وكذلك دكة عابد مزين حيث كان يجلس عليها عصرا ويستريح عنده من يظهر من عمله في اتجاه حلة رفاعة وعلى ذكر حلة رفاعة لا بد أن أذكر الشيخ حمزة عبدالواحد وابنه حسن حيث كانا المرجع في كتاب الله وهما أحفظ أهل ينبع في ذلك الزمن . .
وكان في حارة الصعايدة ثلاثة أفران الأولى لشيخ الفرانة ياسين هباش والأخرى لحسن علوي والثالثة لعبدالله أبوزريغط وهذا مالا يتوفر في أي حارة .
كان جميع أبناء الحارة يعملون ويكتسبون لقمة عيشهم فغالبيتهم يعمل في البنط في تحميل الإسمنت والبعض يعمل في الأفران والآخر في البيع والشراء والتكسب لم يكونوا يعتمدون على أحد .

وكان قاضي سوق ينبع وأمينها أحد رجال الحارة وهو الشيخ عواد خريشي الذي أشتهر بالأمانة ورجاحة العقل .
وأذكر هذا الرجل بميزة فريدة حيث كان في ذهابه إلى صلاة الفجر يوقظ الرجال النائمون وأذكر جيدا وهو ينادي ياحمدي يا عبدالمحسن ياولد الصلاة فيلحقه الجميع للصلاة
ومن رجال الحارة الشيخ سليمان عبدالغفار وكان رجلا عالما زاهدا عابدا لحقته وقد كبر سنه مع ذلك كان محافظاً على الصلاة أذكره جيداً وهو يتكئ على عصاه في اتجاه المسجد .

وكان في حارة الصعايدة أكبر معمري ينبع وقد جاوزوا المئة عام وهم محمد أبو جبل و عبدالمطلوب أبوغمري وضاحي السحلي فالشيخ أبو جبل كان نجارا وكان يرحمه الله تعالى يملك قوة كبيرة رغم كبر سنه كان يستريح في طريقه إلى السوق ويطلب منا أن نحضر له ماء ومرة ضغط على كفي حتى ظننت أن كتفي سينخلع أما الشيخ عبدالمطلوب أبو غمري فكان شيخ لعبة العجل وكان قبله علي أبو عطاالله خال خلف خلاف .
أما ضاحي السحلي كان راوية وقاص من الدرجة الأولى وهذا الرجل لو أدركناه لألفنا من قصصه وحكمه كتبا ً.

هذا ماجادت به الذاكرة اليوم وغداً بإذن الله تعالى لنا لقاء .
هذه الحارة كنز لا ينضب معينها ومع أن الأقدار فرقتهم ولكن تربيتهم ومعدنهم يجمعهم .
هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وآخر دعوانا سبحانك اللهم وأن الحمد لله رب العالمين


























ولدي صور نادرة جداً جداً جداً
وشريط فديو مصور من داخل الحارة
سأعمل على نشره في مدونتي الخاصة وهنا أيضاً