[ALIGN=CENTER]أخواني أنقل لكم هذا البحث الذي يزيدكم معرفةً بمدينتكم ويجعلكم تفتخرون بها أكثر وأكثر .

الموضوع :

ينبــــــع
موطن آل علي بن أبي طالب رضي الله عنه
ومنفذ المدينة النبوية وميناء الحج الثاني
{دراسة تاريخية}
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن سار على سنته إلى يوم الدين .
-الموقع الجغرافي والنشأة التاريخية :
يَنْبُع ـ بفتح المثناة التحتية ، ثم تسكين الموحدة الفوقية ، ثم ضم الموحدة التحتية ، ثم عين مهملة ـ مضارع ( نَبَعَ ) ونبع الماء : ظهر . وسميت ينبع بذلك لكثرة ينابيعها . قال الشريف سلمة بن عياش الينبعي : عددت بها مئة وسبعين عيناً .
وتلك ينبع الميناء ، أو الثغر البحري ، أو ما تسمى حديثاً " ينبع البحر " التي لا تبعد كثيراً عن " ينبع النخل " وفي الفترة الإسلامية المبكرة كانت الأحداث ترتبط أكثر بينبع النخل ، ومن العهد الأيوبي وما بعده ارتبطت الأحداث بينبع البحر والنخل على السواء حتى نهاية العهد المملوكي . وما إضافة البحر إلا للتفريق وإن كانتا لا تختلفان في القبائل والعادات والتاريخ المشترك ، وتمثل ينبع النخل الجزء الأعلى من المدينة ، وينبع البحر تشكل الجزء الأدنى منها ، وينبع البحر جزء أصيل من ينبع النخل وما المسافة الموجودة بينهما اليوم إلا مناطق العيون التي اندثرت معالمها ، ومما يؤكد تلاحمهما وأنهما بلدة واحدة قول العباس بن الحسن للرشيد :
ياوادي القصر نعم القصر والوادي * من منزل حاضر إن شئت أو بادي
تلقى قراقيره بالعقر واقفــــة * والضب والنون والملاح والحادي
فجمع الشاعر بين السفن ومرفأها والملاح ، وحادي الإبل ( والضب صيد البر والنون صيد البحر ). (انظر الطبري ، تاريخ الأمم والملوك، ج5، ص21ـ22. وعبدالكريم محمود الخطيب : تاريخ ينبع، الطبعة الأولى، 1405 ـ 1985، مطابع الشرق الأوسط ، الرياض، ص12) . ويحددها عرام السلمي (المتوفى في القرن الثالث) على أنها يمين رضوى الجبل ويصفها بأنها قرية كبيرة غناء ، سكانها من الأنصار وجهينة وليث وفيها عيون .
(انظر : أسماء جبال تهامة وسكانها: ص8).
ويصفها الإصطخري (ت340) بأنها حصن به نخل وماء وزروع ، وبها وقوف لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يتولاها أولاده ، ويصف جبل رضوى بأنه أخضر ويرى من ينبع (انظر : المسالك والممالك : ص25، وانظر ابن حوقل : صورة الأرض ، ص32) .
وقد أقطع النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه أربع أرضين في ينبع هي الفقيرين وبئر قيس ، والشجرة ، وأقطعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينبع مضافة إلى غيرها . وينسب إلى كُثِّير قوله :
أ هاجتك سلمى أم أجـد بكورها ؟ * وخفت بأنطاكي رقمٍ خـدورها
على هاجرات الشول قد خف خطرها * وأسلمها للضاعنات حضورها
قوارض حضني بطن ينبع غـدوة * قـواصد شرقي العناقين عيرها
وممن ينسب إلـى ينبع أبو عبدالله حرملـة المدلجي لـه صحبة ورواية عن رسـول الله صلى الله عليه وسلـم . ( انظر:الفيروز آبادي: المغانم المطابة في معالم طابة، ص440، (وانظر السمهودي: وفاء الوفاء، ج4، ص1334).
ومن أبرز من نسب إلى ينبع من التابعين عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو محمد تابعي من أهل المدينة كان ذا عارضة وهيبة ولسان وشرف، وكانت له منزلة عند عمر بن عبدالعزيز، ويقول الخطيب البغدادي مارأيت أحداً من علمائنا يكرمون أحداً كما يكرمون عبدالله بن حسن، وعنه روى مالك الحديث، ويضيف أن لعبدالله ابن الحسن رواية عن أبيه وعن أمه فاطمة بنت الحسين، ويروي عنه سوى ما لك عبدالعزيز ابن محمد الداراوردي والمنذر بن زياد الطائي . أنجب من الأبناء من كان لهم أثر بارز في العالم الإسلامي أمثال محمد (النفس الزكية) وأخيه إبراهيم ومن عقبة بعض أشراف ينبع اليوم .
وكذلك من الأبناء يحيى الذي خرج في عهد الرشيد، وسليمان الذي قتل بفخ وإدريس الذي هرب إلى المغرب ومن عقبه الأشراف الأدارسة، وموسى الذي من عقبه جُل أشراف الحجاز اليوم .
وقد ولد عبدالله بن الحسن سنة 70، وتوفي في سجن أبي جعفر المنصور في الكوفة سنة 145هـ . (انظر: أحمد ابن علي أبا بكر الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد ، دار الكتب العلمية ، بيروت، ج9، ص431ـ432، وانظر الأعلام للزركلي ، ج4، ص78، وانظر حمد الجاسر : بلاد ينبع ، ص137 ، 138) .
ومن الشعراء العباس بن الحسن من أهل القرن الثاني الهجري ومحمد بن صالح الحسني من أهل القرن الثالث الهجري . ومنهم أمير ينبع أبو هاشم محمد بن الحسين الأمير بن محمد الثائر، وابنه عبد الله جد الأشراف الهواشم الأمراء حكام مكة من منتصف القرن الخامس إلى السادس الهجري ، ومن الجغرافيين مسعر بن مهلهل الخزرجي من أهل القرن الرابع الهجري ، وكذلك الشريف قتادة بن إدريس الذي أسس الطبقة الرابعة من الأشراف أمراء مكة في القرن السادس الهجري حتـى القرن الرابع عشر الهجري ، وجُلُّ أشرافِ ينبع والحجاز اليوم من ذريته . (انظر : حمد الجاسر : بلاد ينبع ، ص11 ، محمد بن منصور: قبائل الطائف وأشراف الحجاز ص39 ، إبراهيم الأمير: تحقيق منية الطالب ص 23-2539) .
ومن علمـاء ينبع : محمد بن أبي بكر بن عبد العـزيز بن محمد أبوعبد الله عز الـدين الكناني . ولـد في ينبع عام 749هـ ، وعُرف باسم : ابن جماعة . من تلاميذ ابن خلدون اشتهر بعلم اللغة والبيان والأصول . (انظر : حمد الجاسر : بلاد ينبع ، ص118) .
ويتوسع عبد الكريم الخطيب في الحديث عنه نقلاً عن ابن خلدون الذي التقى ابن جماعة في ينبع عام (789هـ) والمقريزي والسيوطي بأن ابن جماعة عالم متفنن متكلم جدلي نظار نحوي لغوي بياني أخذ عن السراج الهذلي والضياء القرحي ، وابن خلدون والتاج السبكي وأخيه البهاء وغيرهم ، وله من المؤلفات الكثير ، وبرز في الحكمة والطب وصناعة النفط والكيمياء ، وكان يجله كثيراً ابن خلدون ، وتوفي بالقاهرة عام 819هـ . ذلك هو محمد بن جماعة الينبعي . (تاريخ ينبع، ص92 ، 93، (وقد عاش ابن جماعة في ينبع 40 عاماً وتلقى العلم فيها واتجه لمصر لمزيد من التعلم والتعليم حتى توفي بالقاهرة) .
وممن ينسب إلى ينبع مولداً تقي الدين ابن دقيق العيد (محي الدين أبي الحسن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري النسب ، المنفلوطي الأصل الينبعي المولد ، القصصي المربى القاهري المنزل) وكان مولده بينبع في الخامس والعشرين من شعبان سنة 625هـ، وتوفى سنة 702هـ . اشتهر بمعرفته الواسعة للفقه والأسانيد والمتون ، وتولى الإفتاء في المذهبين المالكي والشافعي وأقرأ الحديث بالكاملية ، وتولى قضاء قضاة الشافعية بمصر.
أما قرى ينبع فقد ارتبطت بكثير من الأحداث التاريخية الهامة على مدار الفترة الإسلامية خاصة المبكرة منها.
ومن أهم هذه القرى :
1 ـ البغيبغة : بغينين معجمتين ـ تصغير البغبغة ـ وهي البئر القريبة الرشاء ، ولما صارت ينبع لعلي رضي الله عنه جعل عيون البغيبغات صدقة على المساكين وابن السبيل ، وارتبطت بهذه القرية أحداث سياسية في عهود مختلفة .
2 ـ البليدة : قرية لآل علي .
3 ـ سويقة : تصغير ساق ، يسكنها آل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهي أيضاً عين عذبة كثيرة الماء . وارتبطت أيضاً بأحداث سياسية عرّضتها لكثير من الاضطرابات بل إلى الحرق في عدة مرات وعقر نخلها وتخريب منازلها .
4 ـ العشيرة : تصغير عشرة من العدد ، أو تصغير عُشَرة واحدة العشر للشجر المعروف ، وهي حصن صغير يُفضل تمره على سائر تمور الحجـاز ، وفي هذا المكان كانت غزوة العشيرة على زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وفي الوقت الحاضر تغير اسمها إلى القرية أو " القريّة " تصغير قرية .
5 ـ العلقمية : ارتبطت هذه القرية بأنها كانت موطن قتادة أمير مكة ومؤسس الطبقة الرابعة من الأشراف أمراء مكة من القرن السادس إلى الرابع عشر الهجري .
6 -العيص : وادٍ من أشهر أودية الحجاز، الواقعة في الجهة الشمالية الغربية من المدينة ، وهو تـابع الآن لمحافظة ينبع ، ويبعد عنها بحوالي 150كم ، وسكانه من جهينة . وورد ذكره في السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم ، في صلح الحديبية عندما لجأ أبو بصير بن سهيل بن عمروٍ إلى هذا الوادي ليقطع الطريق على قوافل قريش ، حتى قتل رضي الله عنه .
وكذلك ما نُسب إلى ينبع من آثار نبوية – مزعومة ـ ( شعرات من شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومكحلة ومرود وقطعة من قميص للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيف من سيوفه ومصحف لعثمان بن عفان رضي الله عنه وآخر لعلي بن أبي طـالب رضي الله عنه نقلت إلى القاهرة في القرن السابع الهجري اشتراها الصاحب بهاء الدين بن حنا الوزير المملوكي من أسرة بني إبراهيم من بني الحسن بن علي بن أبي طـالب رضي الله عنهما من سكان مدينة ينبع ، انظر : حمد الجاسر : بلاد ينبع، ص145 ـ 146 .
واستقرت هذه الآثار الآن في مسجد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما المزعوم وجود قبره بمصر.
أما ينبع البحر ، فيضاف البحر للتفريق بينها وبين ينبع النخل ؛ ولأنها تقع على ساحل البحر مباشرة ، وهي ميناء المدينة ، ورغم ماذكر من أنها قد عُرفت كميناء حتى قبل ميلاد المسيح عليه السلام وأنها كانت تسمى في كتب اليونان القديمة (NERA) أو (NEGRA) إلا أن ميناء الجار سبق ميناء ينبع على الأقل في الفترة الإسلامية المبكرة واكتسب شهرة كبيرة ولم يكن لينبع الميناء وجود معه ولم يظهر ميناء ينبع إلا بعد انهيار واضمحلال الجار في أواخر القرن السادس الهجري ، وعندما اختاره الأيوبيون عام 621هـ ميناءً رئيسياً للمدينة المنورة ، ودفعوا ثمنه للأشراف الحَسنيين أصحاب ينبع، وعاود الأشراف الاستيلاء عليه وتنقلت السلطة على الميناء مابين الأشراف والأيوبيين والمماليك فيما بعد ، وأصبح الميناء الثاني في الحجاز لنقل مؤن الحجاج ، ومؤن عمارة الحرمين الشريفين بعد ميناء جُدة ، وقد نشأ الميناء على نقطة تقع بين شرم ينبع في الشمال ومصب وادي الفرعة في الجنوب ، ويقدر متوسط ما بينهما (15كم) وبالتالي يصب في وادي ثمر ، وهو بوابة المدينة المنورة، ومنفذ الحجاز الأوسط ويبعد شرم ينبع عن الميناء بحوالي 15كم شمالاً ، وهو من المعالم الجغرافية الجميلة في ينبع ، ويمتاز بمنظره الخلاب ومياهه الصافية ، وتبرز حوله الصخور المرجانية ، وهي بالتالي تساعد على حماية الشرم . وخليج ينبع لايزيد عرضه عن 3 كم، وأضيق أجزائه نصف كيلومتر ، وتنتشر فيه شعاب مرجانية وبينها جزر صغيرة ، وانتشار الشعاب المرجانية في منطقة الميناء المائية ساهم في تمدد ممرات ضيقة نحو الشمال الشرقي والجنوب . ويتم الوصول إلى الميناء عن طريق قنال طوله 1609م وعمقه 10.36م . وساهم الموقع الطبيعي للميناء على تطور مهمة الميناء من مرحلة صيد إلى ميناء تجــاري وعسكــري من القــرن السابـع حتى القرن العاشر الهجري . (انظر : محمد الرويثي : الموانئ السعودية ، ص298ـ299) .
.[/ALIGN]