عرفته بحكم القربى والجيرة كان بيته ملاصقا لبيتنا وكنا أطفالا نحبه فهو ودود معنا وكان ودودا أيضا مع أبنائه على خلاف ما تعودناه من علاقة آباء ذلك الجيل بأبنائهم حيث يحتفظون بجانب من الجد والصرامه

كان بيته مفتوحا للضيوف ومجمعا للأصدقاء عرفت وجالست فيه كثيرا من الرجال ذوي الهيئات والشخصيات عرفت الشيخ سعد بن غنيم وكان حريصا على زيارته كلما جاء من أملج فكان يبالغ في إكرامه وعرفت أنه شيخ مشائخ جهينة وعرفت الشيخ محمد عبيد الشهوان رحمه الله أحد رجال ذلك العصر المعدودين وعرفت الشيخ داخل بن طلال وأخيه الشيخ طلال بن دخيل الله بن طلال رحمهما الله وهما يترددان عليه كثيرا ولا يفارقان مجلسه حتى كدت أظن أنه تربطهم به صلة قربى أو نسب وإذا بي أكتشف أنها مجرد صداقة عمر يحرصان على ألا تنقطع

أما هو فكان يعمل في سلاح الحدود مسؤولا عن مركز أم جولان في الشرم حين كان الشرم منطقة مهجورة تأكلك فيها الذئاب لا تربطها بالبلد خطوط معبدة ولا يرتادها إلا بعض صيادي الأسماك أما المتنزهون فإنهم بالكاد يذهبون مرة كل ثلاثة شهور بعد تخطيط وإعداد واستعداد وحمل ما يلزمهم من الزاد والعتاد فإذا مانقص من لوازم رحلتهم شئ أمّوا مركز أم جولان فيستقبلهم الشيخ سند بأريحية وكرم وكأنه يستقبلهم في داره ويعطيهم كل ما يطلبون وأكثر وعندما أحيل إلى التقاعد كان حزن المواطنين على تركه الشرم أكثر من حزن زملائه من الجنود وبقي اسمه وذكراه يعطران هذا الجزء سنينا

اتجه بعد ذلك إلى التجارة ونجح فيها نجاحا عظيما فأسس محطة سند على طريق أملج وأسس أول قصر أفراح في ينبع وتاجر في الماشية والإبل وكان ينفق جل ما يعود عليه من ربح في أوجه الخير وفي ميادين المروءة والكرم .

حدثني أحد الأصدقاء بأنه احتاج يوما لشراء سيارة ونقص عليه مبلغ عشرة آلاف ريال فاقترضها من صديق له على أن يردها بعد ثلاثة شهور وبعدما انقضت المدة لم يتوفر لديه ما يسدد به صديقه فلجأ إلى الشيخ سند وأخبره بقصته قال والله ماتردد ولا تلكأ بل قال مر علي بعد صلاة العصر ويحصل خير بإذن الله . بل أنه لم ينتظر إلى صلاة العصر فما كدت أن أصل إلى بيتي حتى لحق بي وأعطاني المبلغ وقال هذا هدية مني لك لا ترد منه شيئا فأنت وافي وتستحق الوفاء . ولا يزال معروفه هذا يطوق عنقي ما حييت .

ويروي العميد أحمد عبد الله الصيدلاني : جاء رجل من العلا فاستضافه سند في منزله ولاحظ أنه مستاء من ينبع وأهل ينبع ولا يذكرهم بخير وعندما سأله عن السبب قال أقرضت فلانا مبلغ ثمانين ألف ريال مضت عليها الآن سنوات أطالبه بها ولا يعطيني إياها قال له سند ربما يكون الرجل في ضائقة ولا ينبغي لك أن تأخذ فكرة سيئة وتذم بلدا برمته لأنك تعرضت لموقف من شخص واحد فيه .. اشهدوا أن ما له عند الرجل هو في ذمتي وأعطاه المبلغ في حينه !! وعندما علم جماعة الرجل بهذا الموقف سارعوا إلى جمع المبلغ وذهبوا به إليه وشكروه على جميله فأخذ منهم نصف المبلغ ورد الباقي قائلا اعتبروني فردا منكم وهذه مساهمتي معكم .

هذه القصص وهذه المواقف تذكرني بقول الشاعر
تراه إذا ما جئته متهللا .. كأنك تعطيه الذي أنت سائله
وهي التي بقيت معه إن شاء الله بعد أن أفضى إلى بارئه وهي ما نغبطه عليها اليوم عندما نتذكر ما يفعله وما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم :
لاحسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها

فهو ممن سلطه الله على هلكة ماله بما يفرج به هم مسلم أو ينفس عنه كربة من كرب الدنيا وقد عوضه الله بنزول البركة في ماله وأولاده و محبة الناس له وتعلقهم به وستكون زادا له يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون بإذن الله

مرض في آواخر عمره فكان لا يخرج من داره إلا لماما عندما يأخذه بعض أولاده إلى مراتع الإبل التي أحبها كثيرا ولكن زيارة الناس له لم تنقطع ومحبتهم لم تتغير
وكان والدي يحبه كثيرا ولم نجتمع به يوما أنا وإخوتي إلا يسألنا عنه ويتخصص أحواله ويأمرنا بزيارته

وفي يوم السبت الماضي بعد أن صلى الفجر وتناول شيئا من الفطور ارتفع عنده السكر والضغط وأسلمت الروح إلى بارئها بهدوء حوالي الساعة العاشرة بعد أن وجد رافعا إصبعه السبابة يشير به إلى التشهد

أسأل الله تعالى أن يغفر له وأن يتغمده بواسع عفوه وأن يجمعنا به في مستقر رحمته وأن يجزيه خير الجزاء