...مؤمنٌ أنا حدّ التصوّف بـــ العبارة التي فحواها " حينما تودّ أن تقول شيئا يجب أن تتذكر أن هُناكَ ثمة أشياء كثيرة يجب عليك ألا تقولها " ...بل أني أُطبقها في كل مواقع حياتي مع الجار والصديق وعامة الناس رُبما لأني مؤمنٌ بمبدأ إختلاف الرؤى والمبادئ ورُبما لأن هُناك ثمّة أشياء الصمت فيها خيراً من البوح ولو كان بوحك صادقاً لا غُبار عليه ..؛
كانت تلك هي سياستي إلى حدٍ قريب ..حدّ أن قُدِّر ليّ أن أكون في القاهرة عاصمة الفراعنة وفي يومٍ يكاد أن يكون تاريخي " يوم إنتصار العرب على إيطاليا " وأقول كل العرب وليس مصر فقط كون المقارنة مع بطلة كل العالم رياضياً " إيطاليا " ..؛ إتخذت من شارع أحمد عرابي" المهندسين " مسكناً ليّ وإتخذت من " خان الخليلي " أستاداً رياضياً أُتابع من على أرضه وقائع مبارأة المنتخب المصري والإيطالي ...وأعتقد أني توفقت في إختيار المكان الأنسب لمُتابعة الحدث فــ خان الخليلي أشبة بــ وعاءٍ حمل التاريخ في داخلة وحنّط الممايك في تُرابه ويكفي أن يبقى هذا السوق صامداً في وجه الحضارة لــ سنواتٍ تتجاوز الــ 600 عام إلاّ قليلا ..؛
لم يكن فقط المكان هو الذي يوحيك برائحة الزمن البعيد ..بل حتى الناس في لباسهم وأكلهم وحتى طريقة غضبهم و طريقة نداءتهم بعضهم لبعض كل شيء يُخبرك بــ أن ثمّة شيء مُختلف هُنا مما يقودك لــ الإستمتاع والإشتياق لما هو أت ..؛؛
عند منتصف المساء انطلقت صافرة الحكم معلنةً عن البداية لــ تنطلق معها أصوات الإصلاح وهُناك من إحتكر إصلاحه في شفتيه وهُناك من مازال يتحدث عن جمال عبدالناصر ..والسادات ..والملك فيصل ...وعن الإنجليز ...وحتى أم كلثوم كانت حاضرةً في سياق الحديث ومع كل هجمة تتغير أطوار الحديث وتنمو على جادة الجدال ..وهُناك أيضاً من يقتات ويغتنم الفُرص لــ تصل يده لــ جيوب الأخرين علّه يجد ما يسُد جوعه ..!!؟
هي الدقيقة الــ أربعون التي أشعلت الفرح في قلوب كل المصريين خاصة والعرب عامة بأمرٍ من محمد حُمص أو اللاعب " الغلبان " كما يسمّونه في القاهرة ..عندما سجل هدفاً قد يكون الأجمل والأغلى في حياته الكروية حدّ أن يعتزل ..؛ منذ تلك اللحظة بدأت كل الألسنة تتوحد رغم إختلافها قبل الهدف في المحتوى والإهتمام .... والأيادي أيضاً في الدُعاء تتوحد حتى تلك اليد التي كانت مشغولةً في جيوب الأخرين إرتفعت مع أيادي الجميع و بقي الجميع على نفسٍ واحد حدّ أن وصلنا للثانية الأخيرة من عُمر المبارأة تلك التي تعلمت منها أن للوطن ثدي لن ننسى طعمه ولن نتجاهل حنانه مهما مررنا بظروفٍ قاسية في كل مواطن حياتنا الإجتماعية ومهما ضاقت بنا الحياة يبقى الوطن هو الحُب الأول والأخير ...كيف لا " وحُمص لوحده كاد أن يحرق القاهرة فرحاً " ليس من أجل شيء إلا من أجل أنهم شعب أحب وطنه رغم كل إختلافاتهم الدينية والإجتماعية .
وتعلمت منهم أيضاً أنه في مصر فقط بإمكانك أن تقول /وتعمل/ وتتمنى / وتُحرم ... كل شيء في أنٍ واحد ..!!؟

.