سعد بن سعيد الرفاعي
ليال تكحلت بضياء القمر، وأماس تألق فيها السمر، عشنا فيها لحظات حب وإخاء وتدفق معرفي كزخات المطر.. كنا على ضفاف المعرفة ننهل منها.. نتذوقها.. نشاهدها.. ثقافة حية توقد الأذهان وتأخذ بحسنها الأبصار، وتروي عطش المجتمعين للأدب والثقافة.
قضينا بمناسبة انعقاد ملتقى العقيق الثقافي الثاني تحت مسمى (الثقافة البصرية) أياما وليالي مترعة بالعطاء، معطرة بالصفاء نابضة بالإخاء.. ثقافة بصرية.. جعلتنا نعتمد البصر لغة تواصل يقرأ تفاصيل اللغة جسدا مرئيا، بسمات حب تخضل بها الشفاه، وبشر يحف الوجوه بهالة من ضياء، وعيون عبرت عن سرور اللقاء بلمعة تأنق فيها الذكاء. كان التنظيم ضرباً من الترف، لمن تمرس فن القيادة واحترف، فبإشراف من الأستاذ الدكتور العسيلان وبتنفيذ كوكبة مخلصة وطاقات شابة أحبت الأدب والثقافة، فسارعت تطرز هذا الحب عملا وإبداعا بقيادة العزيز محمد الدبيسي كان التنظيم مثار الإعجاب ومدار أحاديث ضيوف الملتقى، وبدا الافتتاح رائعا في محتواه ومعناه، روعة من شرفه ورعاه.. تحدث العسبلان وحيانا ومن رحيق حبه أوفانا وبكى نايف الجهني فأبكانا، وتركنا ليلتنا نطبب بنبل كلماته أفئدتنا، ونهذب بجمال عباراته ألسنتنا، فاجأنا ذلك الشاب ـ بصوته الهامس الشجي ـ بهذا الوفاء الذي وأن أجرى الدموع فقد زرع الفرح في العيون، وناغم بتأبينه كل القلوب وإن مست كلماته أوتار الشجون، مزج نثره بشعرية مرهفة فلا ندري أسبق الشعر النثر؟ أم أن النثر قد سرق الشعر في ليلة تحتفي بالأدب وأهله؟!، وعبر الفيلم الوثائقي عن الجهد الكبير كتابة وإعدادا وإخراجا، عبر عن حجم الوفاء الذي يسكن أفئدة مسؤولى النادي لشاعر المدينة الكبيرحسن الصيرفي رحمه الله.
أما عن فعاليات الملتقى.. فقد شهد تميز الكثير من الأوراق والدراسات المقدمة من قبل الباحثين وكانت إدارة الجلسات متنوعة، فقد شهدت حزم الأستاذ الدكتور مسعد العطوي وحنكته، وبرهن الدكتور سعد البازعي على جمال أناقته، وفهد الشريف على دقته وحيويته، وبرزت شفافية يوسف العارف وصراحته، واقتدار سحمي الهاجري وحكمته.
أما الأوراق فقد جاءت مميزة في مجملها ولكن.. وقف ضيق الوقت حائلا أمام أطروحات الكثير من الباحثين ولا أبالغ ان قلت: إن محدودية الوقت في ظل ازدحام الأوراق المقدمة في الجلسات كان السلبية الأبرز للملتقى، وأعود لأوراق الزملاء ودراساتهم فأقول: تميزت ورقة الدكتور معجب العدواني بتحليله المتمثل في جماليات الإعلان والظل بوصفه عنصرا مهيمنا (الحقوق محفوظه!) كما تميز محمد السحيمي فحضر بتلقائيته الأخاذة وطرحه الجميل الذي يكشف عن حب عميق لمجاله فوصل بنا وبالصورة إلى المسرح، وكان صوت فهد الحارثي معبرا عن قضيته الأهم التي ظل يعمل لها أكثر من عشرين عاما دون كلل فاستحق التقدير والإعجاب فيما تميز الدكتور أيمن بكر بحياديته أثناء تناول تجربة الشاعر محمد حبيبي وجاء الدكتور عماد حسيب بحضور مختلف وألق خاص ويحسب له إخلاصه لفكرته وحماسه في الدفاع عنها، ويبقى (النسق) لعبة نسبية ندندن حولها!!
..فيما استمر الدكتور الصفراني في توثبه الفكري وطرحه الجريء وأحسب أن الوقت لم يسعفه لإبداء وجهة نظره كاملة إزاء طرحه (البصر والبصيرة) ومقارنته بين المنظورين الإسلامي من جهة، والمسيحي واليهودي من جهة أخرى، وإنني لعلى ثقة بأن الدكتور الصفراني سيمضي في هذا الموضوع حتى يشبعه بحثا ودراسة جديرة بالاهتمام. وكان طرح الدكتور حسن النعمي طرحا احترافيا رصينا. واستمر الدكتور فؤاد مغربل مبدعا كما نعرفه فهو مبدع حين يرسم.. مبدع حين يتكلم.. مبدع وهو يتطلع إلى مستقبل فنه التشكيلي ويحلم ، وتناولت ورقة خالد الأنشاصي معمارية النص بين بناء المعنى وإنتاج الدلالة ، فيما لم يسعف الوقت الدكتور خالد ربيع لإبراز ما لديه على جودته.
ووصلنا إلى الختام المسك والعبق الإيماني الأخاذ بورقة قدمها الخطاط الشيخ عثمان طه الذي كتب المصحف الشريف بخط يده أكثر من مره فكان رائعا في حضوره.. وفي عرضه.. وفي لطائف ذكرياته ونوادر حكاياته!
وقد تميزت المداخلات بتنوعها وثرائها، وكانت مداخلة العلامة الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري قوية رصينة تفصح عن رجاحة عقل وسمو فكر وأدب إنصات رفيع، كما تميزت مداخلات الدكتور حسين دغريري بأناقة كلماته وأدب كلماته وجاءت المداخلات النسائية محدودة وإن لم تخل من حضور كالدكتورة أسماء أبو بكر والدكتورة أمل التميمي بمداخلاتها المثيرة ، فيما تميز عرض هناء العمير وخاصة الفيلم الوثائقي (التوازن) أما ورقة الشاعرة حليمة مظفر فقد أثارت أسئلة متنوعة! شكرا لنادي المدينة الأدبي الثقافي على حسن الوفادة والتنظيم وعلى هذا العزم والتصميم وإلى مزيد من العطاء والإبداع.
المفضلات