[dci]

مقدمة

[align=justify]في عام 1383 هـ أعارني الصديق تنيضب عوادة الفايدي ( دكتور في التربية الآن ) كتابا اسمه ( أدب من رضوى ) تأليف الأستاذ عبد الكريم محمود الخطيب .. في هذا العام وما قبله وقليل من الأعوام بعده كانت ينبع تعيش في سبات ثقافي عميق ولم تكن تصلنا أية مطبوعة سوى الصحف التي تصل إلى بعض الإدارات الحكومية أو بعض المشتركين وتأتينا متأخرة عن وقت صدورها ثلاثة أيام على الأقل وكنا لا نعدم الوسيلة في الحصول على بعضها وقراءته .. أما أخبار ينبع أو حتى ذكر اسمها فقلّ أن نجد له أثرا في أية مطبوعة وإن وجدناه نفرح به أيما فرح حتى لو كان في عبارة لا تخص ينبع كعبارة ( ينبع نهر النيل من أواسط أفريقيا ) .

في هذه الأجواء وقع في يدي كتاب ( أدب من رضوى ) وأثار فضولي واستغرابي وإعجابي أنه يتحدث عن ينبع في معظم موضوعاته وكان أشد ما أعجبني في الكتاب قصيدة تتحدث عن ينبع وتباهي بحبها وتذكر حاراتها لشاعر مصري استوطنها وشغف بها ذلكم هو الشاعر حسن عبد الرحيم القفطي .. فاشتد تعلقي بالكتاب وبالكاتب وتنامى إعجابي بالقصيدة حتى أنني حفظتها عن ظهر قلب ولكنني لم أعثر له عن غيرها لا قبلها ولا بعدها حتى بعد أن توفرت مصادر البحث وتعددت سبل استدعاء المعلومة

إلى أن زرت الصديق الأستاذ صالح عبد اللطيف السيد ذات مساء وأنا عادة ماأزوره في منزله أحيانا للاستفادة من مجالسته والاستماع إلى طيب حديثه والاستزادة من غزارة معلوماته ودقة توثيقه .. وهو اسم لا يمكن إغفاله إن ذكرت الثقافة أو عد المثقفون في ينبع هو و عبد الرحيم الزلباني و عواد الصبحي و سعد سعيد الرفاعي و إبراهيم الوافي وطه بخيت وعبد الرحمن الذبياني وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم

أما الأستاذ صالح السيد مدار الحديث فقد أهدى المكتبة العربية سلسلة ( ملامح من تاريخ ينبع ) في أربعة أجزاء جامعة مانعة ولديه مكتبة عامرة زاخرة بالكتب النفيسة مفتوحة لكل من أراد الاطلاع والبحث وكانت أكثر زياراتي له بهدف الاطلاع على ما في هذه المكتبة من كنوز ..
وقع بصري على كتاب ( شاعر من ينبع ) للأستاذ عبد الكريم الخطيب وما أن تصفحته حتى أدركت أنه ما كنت أبحث عنه من أمر الشاعر حسن عبد الرحيم القفطي . أنهمكت في قراءته وعقدت العزم على أن اعود في مرات قادمة للاستزادة من قراءته وإذا بالأستاذ صالح ( على غير العادة ) يقول لي وكأنه قرأ ما في نفسي : خذه معك ورده بعد أن تنتهي من قراءته .. لم أصدق ما سمعت فخرجت من عنده أحمل الكتاب وطفقت أسابق عجلات سيارتي وأسترق النظر إلى الكتاب كلما توقفت عند إشارة مرور .. ثم حولت وجهتي إلى أحد محلات النسخ وطلبت أن تصور لي نسخة منه لآحتفظ بها وأعدت الكتاب إلى صاحبه

الكتاب يحوي الكثير من القصائد الجميله التي تصف حنين الشاعر إلى ينبع ولهفته إلى العودة إليها ورغبته في العيش فوق ثراها وقضاء بقية العمر فيها .. وليت شعري ما الذي حال بينه وبين ذلك

سأحاول إن شاء الله في هذه الانطباعات أن أعرض لكم ما خرجت به من هذا الكتاب وما عرفته عن الشاعر حسن عبد الرحيم القفطي مع شكري لابن ينبع البار الأستاذ عبد الكريم الخطيب الذي تابع البحث والتنقيب وعانى مشقة السفر والوصول إلى مسقط رأٍس الشاعر يمصر والتقاء حفيده والعثور على نسخة من ديوانه ليخرج لنا هذه الصفحات المطويات من تاريخ ينبع فله منا كل الشكر والتقدير [/align]


الحلقة الأولى

حسن عبد الرحيم القفطي
شاعر من ينبع


[align=justify]الشاعر حسن عبد الرحيم القفطي ولد ببلدة القصير في مصر علم 1252 هـ وكان والده من كبار تجارها وله تجارة واسعة في ميناء ينبع فأرسل ولده ليساعد أخاه في أعمال التجارة ، فأحب ينبع واستوطنها وانعقدت هناك صداقة بين الشاعر وابن والي ينبع زارع ابراهيم باشا عواد حاكم ينبع في ذلك الزمان ، وهو من عائلة لا تزال موجودة في ينبع تسمى عائلة القاضي ، وتعلم وصاحبه العروض على يد رجل يسمى سالم باسودان ، وما زالت عائلة باسودان موجودة في ينبع ، وأصبحا شاعرين ، وعين الشاعر القفطي مساعدا لولاية ينبع زهاء عشر سنوات ، وفي عام 1288 هـ قصد الشاعر زيارة أهله الذين هجروا القصير لفقدان أهميتها بعد فتح قناة السويس ، وفي تلك الظروف توفي والد الشاعر فرفض إخوانه أن يعودوا إلى ينبع فعاش بقية حياته معهم في قفط في الصعيد المصري وفي مساء الثلاثاء الثامن من شعبان من عام 1321 هـ توفاه الله . ولكن حنينه لينبع لم يتوقف فقد أحبها حبا لا يعادله حب . له ديوان شعر يكاد يكون مفقودا في عصرنا الحاضر يقع في مائتي صفحة من القطع المتوسط طبع بمطبعة الشافعي حسن بالفيوم عام 1357 هـ . طبعه ابنه محمد .[/align]

نماذج من شعره

السفينة

[poem=font="Simplified Arabic,5,#000000,bold,normal" bkcolor="" bkimage="" border="none,4,#400000" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000"]
إلى الفلك فانهض واغنم السير في البحر= إذا فزت بالإمكان من فرصة الدهر
وكن بالجواري المنشآت وسيرها =خبيرًا متى هبت رياح السـرى فاسر
وبادر لهاتيك السفينة واغتنم= سرى الليل أو فاستغنم السير في الفجر
ويمم بها نحو الحجاز وعج بها =على مـنبع الخيرات في "ينبع البحر "
هي البلدة المشتاق قلبي لمن بها= ويحلو لسمعي ذكرها طيب النشر
أميل لمن فيها بقلب تقلبت= حشاشته من لوعة الشـوق في الجمر
وإن ذكرت يومًا أهيم بذكرها= وأسقى وهاد الأرض بالأدمع الحمر
وقد لامني قومي إذا قمت في الدجى= أئـن كما أنّ الأسيرُ من الأسر
يقولون أقطار الحجاز بعيدة = فإن شئت فاستبدل بها قطرنا المصري
فقلت أما تستغفرون إلهكم = أمن بعد إيماني أميل إلى الكفر؟
فكيف أبيع الجوهر الحر بالردي = وأستعوض الأحجار يالكوكب الدري
وأسلو هوى واد تراءت قبابه = على أرضه أزهى من الأنجم الزهر
وكم فيه من خود ضياء جبينها = إذا ما بدا بالليل يغني عن البدر
أيا عرب وادي " ينبع البحر " إنني = على عهدكم باق مدى العمر والدهر
ملكتم فؤادي مذ سكنتم ببيته = وأدخلتم وجدي وأخرجتم صبري
نأيتم ولا زلتم مقيمين في الحشا= وبنتم وما بنتم عن البال والفكر
أما وظباء في رياض دياركم = يميسون كالأغصان في الحلل الخضر
لقد سبقت لله فيكم محبة = فصار " ابن عواد " لكم والي الأمر
كثير الندا رب الصنيعة في العدا = طويل المدا وافي الجدا واحد العصر
كريم حوى في بطن راح يمينه = سبيلا بها الأرزاق تنساب كالتبر
سخي إذا ما الغيث سح بودقه = يسيح لنا من جوده وابل القطر
على المال بذلا سلط الله كفه = فلم يبق منه في الديار سوى الذكر
وإن جئت تبغي منه أية حاجة = رأيت محياه تهلل بالدر
فمن وجهه تبدو السماحة للورى = ومن كفه للناس أمن من الفقر
مضت لي أويقات بها كنت أجتني = ثمار الهنا من روض أيامه الغر
وكنت أنا الأوفى لتحرير نطقه = وكنت أمين القول في السر والجهر
أروح أجر الذيل تيها بعزة = وأغدو قرير الطرف منشرح الصدر
أما لو وهبت الروح شكرا لفضله = لما قمت بالمعشار من واجب الشكر
ولن أنسى طول الدهر حسن صنيعه = إذا عشت أو إن ضمني اللحد في القبر
فكم غمرتني بالنوال يمينه = وكم توجتني بالمهابة والبر
فنذرا إذا جاد الزمان بعودتي = ونوديت بالترحيب من جانب القصر
لأدخل من أبواب ساحة جوده = وأملأ من أصناف أمواله حجري
وأرفل بعد الفقر في حلل الغنى= وأغمد سيف اليسر في هامة العسر
ألا أن " عوادا " تعود كلما = تجلى له وجه السعادة في الدهر
تمنى على الرحمن نسلا مباركا = فجاء بـ " إبراهيم " في ليلة القدر
فطين بما يأتي بصير بما أتى = خبير بما يجريه في النهي والأمر
رؤوف على المسكين يبدي بشاشة = ويعظم في عين الذي تاه بالكبر
ويعفو عن الجاني المسئ تكرما = ويقبل أعذار الذي جاء بالعذر
إذا رام أمرا هم فيه بهمة = وعزم قوي جل عن قوة الصخر
لقد حاز بالإجمال كل فضيلة = وفصل في أحكامه حسبما يدري
فلولاه ما كانت " جهينة " تهتدي = إلى الحكم والأحكام في البر والبحر
ولولا أناة فيه عزت لأوقدت = " قبائل حرب " زفرة الحرب بالجمر
يقود زمام العرب باللين والسخا = ومن لم يقد باللين ينقاد بالجبر
ومن يستحق البر أولاه بره = ومن يستحق الزجر وافاه بالزجر
ألا إن " إبراهيم " ساس أمورهم = وألف بين الشاة والذئب في البر
وقدم إنصاف الضعيف على القوي = وقام بنصر العبد رغما من الحر
وقد جد في إصلاح كل قبيلة= وكف أكف المعتدين عن الشر
فأمست به عين الزمان قريرة = كما دهره أضحى به باسم الثغر
ألم تر أن الله ثبت قوله = ونجاه ممن كاد يرميه بالغدر
مضى كهلال الأفق من أرض " ينبع " = وقد جاء من " أم القرى " وهو كالبدر
وما راح إلا كارها شر فتنة = وما عاد إلا بالثناء وبالنصر
ولم يلتفت بالبغض يوما لمبغض = ولم يخف مكرا للمصر على المكر
ولم ينتقم ممن تفوه بالأسى = ولم يدر عمن مات بالغيظ والقهر
على أنه كالطود لم يكترث لما = يراه من الأهوال في مدة العمر
تعلمت نظن الشعر قصدا لمدحه = ففقت جريرا وامرأ القيس في شعري
فإن رمت فيه المدح جادت قريحتي = بما تزدري بالدر في النظم والنثر
أما آن لي وقت أرى فيه موقفي = تجاهك في ناد به مصدر الأمر
فما ضر " إبراهيم " يوما لو أنه = بمجلسه أجرى على فمه ذكري
ليعلم من في الشرق والغرب أنني=لشاعره أزداد فخرا على فخري
وخذ بنت فكر في مديحك أقبلت = يفوق عبير المسك منها شذا العطر
نسجت لها بالمدح فيك ملابسا = وقلدتها بالوصف من جوهر الفكر
فقدم لها مهر القبول تكرما = فما ثم من بكر تفض بلا مهر
وما مهرها إلا لديك قبولها = إذا ما بدت تختال كالناهد البكر
تقول وقد وافتك بالمدح والثنا = وقد أقبلت تسعى على قدم الشكر
لمدحك أوقات السعادة أرخت = بدا سعد " إبراهيم " في ليلة القدر[/poem]


في الحلقة القادمة
نقدم لكم إن شاء الله القطيرة والمجاديف


[/dci]