د. محمد أبو حمرا
قد يكون العنوان غريبا؛ ولكنه ليس إلا صورة لواقع يحصل لمن يمشي في الأسواق ويأكل الطعام ويخالط الناس في أماكن مزدحمة.
كان الرجل هو الذي يبحث عن الجنس الناعم؛ لأن الخشونة دائما تصنع السلوك الخشن، وكان الجنس الناعم يتمتع بالهدوء والحياء والحشمة؛ فتراها تمشي مشية الحمامة لا عجل ولا بطء؛ ويومها كانت المرأة هي الضحية والرجل هو المفترس الذي تخاف منه!!
ويبدو لي أن المعادلة قد تغيرت، فصار الرجل خجولا إلى درجة الخوف؛ وصارت المرأة ذات فكين مفترسين تبحث عن مضايقته بشكل علني وعلى رؤوس الأشهاد بلا وجل أو خجل.
أحيانا يتحول الرجل إلى حامل أمتعة لها في السوق؛ أي أنها في المقدمة وهو خلفها مثل العنزة الكسول التي تتبع قطيع الأغنام ببطء وتخاف من الذئب الذي يأكل من الغنم القاصية، فيكون المسكين هدفا لذوات العباءات المخصرة وأولئك اللائي هن غير مخصرات لكن عيونهن كالشهب المرسلة لتفحص ذلك الذي يمشي على وجل وهو يقول سترك يا رب!!
وعندما يكون بجوار زوجته أو ابنته في السوق المزدحم تأتي السيدة لتكون بينهما بلا اكتراث ولا حياء، بل تفتح أعينا ملئت كحلا وماسكرة لتقول له (أتحداك أن تقول شيئا) وهي بهذه الحركة تريد أن تضايقه رغما عن وجود محرم له معه!! لكنه محرم يفوت عليه الكثير من الحركات لأن السيدة مشغولة في المعروضات ولا تنتبه لزوجها الذي يجد المضايقات؛ لذا فهي محرم غير حام له.
في الأسواق تجد نسبة النساء تفوق الرجال، ونسبة المراهقات وأشباه المراهقات أكثر من العوانس والمستغفرات القديمات جدا، لذا فهناك اندفاع قوي لا يمكن أن تتحكم فيه أية قوة مهما بلغت من الحذق والكياسة أبدا.
لم يعد الهدوء والوقار في الأسواق كما كان سابقا بل تحولت الأسواق إلى جلبة وضوضاء لا يمكن أن يستوعبها الهدوء والإتيكيت الذي يحاول البعض ممارسته، لكن أنّا ذلك في عالم يكاد يموج بلا هوادة ولا حتى إعطاء أهمية للوقت والمحيط معا.
أذكر زمن المراهقة -رحمها الله- سوق السدرة بالرياض، إذ كان الهدوء يطوق المكان والزمن واللحظة، وكانت المرأة تبايع الحانوتي وعيونها إلى الأرض حياء منها وترفعاً عن الشبهات واعتزازاً بذاتها وشرفها؛ أما الآن فتراها تعرف تفاصيل البائع من رأسه حتى أخمص قدميه بل تعدت البائع إلى المشترين من الرجال والنساء، وكأنها أوكلت بقراءة وجوه الناس في بحث علمي دقيق جدا.
هي ظاهرة بدأت تستشري في مجتمعنا نتيجة للانفتاح الذي جاء دفعة واحدة بلا هوادة ولا هدوء، فهل يصمد مجتمعنا أمام ذلك التيار الأخلاقي أم يلحق بإخوانه السابقين إلى دهاليز الزمن المعتم بكل ألوان الطيف التي تعمي العيون وتهلك الحرث والنسل؟
المفضلات