صبار العنزي
كنت على موعد مع أحد رجال الأعمال المعروفين والمشهورين بالثرى، لمناقشة موضوع أراد أن يستشف رؤاي حوله، تحدثنا عبر الهاتف واتفقنا على موعد عمل وغداء في احد الفنادق الضخمة، سألت نفسي عن هذا الرجل فالأقوال حوله تتناثر هنا وهناك، هناك من يقول إنه محسن، وآخر يرى أنه مسرف، وثالث يسميه "الجلدة" لأنه من وجهة نظره لا يمد يده ليخرج ما يسد به حاجات المحتاجين، وسط هذه الأفكار وضعت أسس لانطلاقة حديثي معه وحددت مسارات يمكن من خلالها أن استفيد معنوياً ومادياً من هذا اللقاء وهذا حق مشروع، سولت به نفسي في لحظة صفاء، جاء موعد اللقاء وتقابلنا فوجدته وقد ازدان باشراقة وأريحية وبطريقة لم تدر في خلدي أن أرى هذا الرجل عليها، دار الحديث حول جوانب كثيرة وكنت على حذر من اعطاء أي معلومة، حتى جاءت ساعة الحديث عن الموضوع الذي اجتمعنا من أجله فوجدته قد وضع تصوراً جيداً لكيفية التعامل والتعاون كاستشارات في مجال تخصصي، إلا أنني حذرته من هذا المشروع وفق ما طرحه من معطيات، وما هي إلا لحظات حتى طلب مني التوجه إلى مطعم الفندق فانتقلنا من البهو لصالة الطعام فوجدت طلباته فيها من الكرم والمبالغة ما جعلني أطلب منه الاكتفاء بما طلب، كان بالفعل كريماً سمحاً بسيطاً، وما ان انتهينا من غدائنا حتى نادى "الجرسون" وطلب منه جمع ما تبقى من الأكل ووضعه في أواني بلاستيكية لنأخذه معنا، هنا دق الشيطان ناقوس الخطر.. وقلت انه بالفعل "جلدة" لديه قصر فاخر وخدم وحشم ومليارات.. ويفعل ذلك.. لربما انه لولا هذا الفعل لما جمع هذه الأموال..
غسلنا وغادرنا الموقع وأصر علي أن يصحبني بسيارته إلى مقر الشركة القريب من الفندق وهو يحمل "الغداء" وقد طلب إضافة علبة مشروب بارد وماء.. سارت بنا السيارة الفارهة وعند إحدى الإشارات فتح النافذة ونادى أحد عمال البلدية وقدم له الأكل.. هنا كدت أقبل رأسه احتراماً وتقديراً.. فقد كان من خير الرجال الشاكرين لربهم المقدرين لخيره.. كنت أعتقد أن حرصه على عدم سقوط حبات الرز وارجاعها عمل "بخل" واكتشفت أن هذا الرجل مثال جيد للإنسان السعودي المعطاء، في اليوم الثاني مررت على أحد المطاعم وطلبت غداء وماء ومشروباً بارداً واتجهت إلى أحد الشوارع وناديت أحد العمال وأعطيته.. عندها انتابني شعور أبكاني! اتصلت بالرجل وأخبرته بكل التفاصيل والخواطر والهواجس وقلت سوف اكتب عن هذا الموضوع وأعمم هذه الفكرة لتعم الفائدة قال أحسنت ولكن بشرط أن لاتتطرق لاسمي.. فبارك الله وحاولوا أن تجربوا هذه الفكرة وتأكدوا أنه بالعطاء تزيد النعم.