قمراء السبيعي
كاتبة وأكاديمية سعودية



ذكرت صحيفة " التايمز " : أن الشعوب والأمم الإسلامية تتمتع بمركز قوي في العالم اليوم ، لا لمجرد أن العرب يمتلكون الثروة النفطية ، وإنما لأنهم يملكون نظاماً عائلياً مستقراً ، هو نفس النظام الذي يسعى الغرب بجنون للتفلت منه ( 23-12-1974م ) ، هذا التعليق من الصحيفة اللندنية يُشخِّصُ ماتوالى علينا من أخبار استُهدِفَتْ بها المرأة السعودية – كونها أحد أهم أركان النظام العائلي الذي يُراد زعزعة استقراره - من وكالات إخبارية عالمية ، فهل انتقل هذا الجنون الغربي إلينا عن طريق بعض المحسوبين علينا كسعوديين ؟!

وإليكم أيها السادة هذا الرصد الذي استهدف المرأة السعودية ، ولمدة ثلاثة أيام متتالية، ومصدرهُ وكالات إخبارية دولية - وأؤكد على أنها خارجية لا محلية - وإلا لاحتجتُ إلى معلقاتٍ تلو معلقاتٍ لرصد ماجادت به قريحة بعض المستكتبين في الإعلام الداخلي !

في يوم الاثنين الموافق : 17- 8 – 1429هـ طالعتنا وكالة الأنباء الأردنية ( بترا ) بخبر زيارة وفد سعودي رسمي لمديرية الأمن العام ، للاطلاع على التجربة الأردنية ، وانجازاتها ، ومهامها في مجال الشرطة النسائية !

وفي يوم الثلاثاء الموافق : 18-8-1429هـ نُشِرَ حديثٌ لوزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس في قناة ( إن .بي. سي ) الأمريكية ، حاملاً رغبتها في رؤية المرأة السعودية مشاركةً في الأولمبياد ، بل وتتطلَّعُ إلى ذلكَ اليوم بفارغ الصبر !

وفي يوم الأربعاء الموافق : 19-8-1429هـ نَشَرَ صحفي وكالة ( رويترز ) اندرو هاموند تقريراً بعنوان : " جيوب ليبرالية سعودية " ، ويحمل بين طياته لغةً استشرافية جازمة ! بأن المدن الاقتصادية الأربع المزمع إنشاءها ستكون بمنأى عن تدخل الشرطة الدينية في الحياة الاجتماعية ، وأماكن العمل ، والتعليم ، وأردف هاموند جزمه بأن المرأة ستكون قادرة على قيادة السيارة داخل تلك المدن ، وخفف وتيرة لغة الجزم بقوله : وقد تضم أيضاً دوراً للسينما !

إلى هنا لن ألقيَ باللوم على وكالة غربية خلطت الحابل بالنابل ، ومزجتْ أحرف الجزم بالأماني ! ، ولكنَّ اللومَ كلَّ اللوم يقع على أقوال وأحاديث بعض المحسوبين علينا كسعوديين التي وردت في ثنايا التقرير المذكور ، فهذا عبدالعزيز الجاسم – الذي يُعرِّفهَ التقرير بأنه رجل دينٍ إصلاحي - ! يقيس تغير المجتمع السعودي ، بقوله : " إن الفتوى الرسمية القديمة لم يعد لها السطوة التي كانت تتمتعُ بها " ! ، وتواصل سمر فطاني - التي عرَّفها التقرير بأنها كاتبة وإذاعية في مدينة جدة- ، حيث تطبق قواعد من الفصل بين الجنسين بقدر من التحرر " نحنُ نتطلَّعُ إليها " ! ولا أدري إلى ماذا تتطلع أكثر من ذلكَ ! ، بل ليتها تقارن بين حديثها ، والحديث التي وجهتهُ لها الكاتبة الأمريكية ( تانياسي هسو ) في جريدة ( عرب نيوز ) وترجمته جريدة الرياض ، وُنشِرَ بعنوان (خطاب مفتوح للسعوديين) في يوم الثلاثاء 30/4/1426هـ حيث ذكرتْ مانصه : ( لم يمثِّل ارتدائي للحجاب، وعدم تمكُّني من قيادتي للسيارة خلال المدة التي قضيتها في المملكة أيّ مشكلة بالنسبة لي، بل سافرتُ بحجابي لأمريكا لأثبت لهم ذلك )

تمنيتُ أن تذكر الإعلامية والكاتبة السعودية ، ورجل الدين الإصلاحي – كما وصفهما التقرير - المؤمل من إنشاء هذه المدن الاقتصادية ، من خلال تقديم علاج للبطالة التي قيل لنا : أنها ستصبح ذكريات من الماضي ، ومازال يئنُ تحت وطأتها مئات الآلاف من شبابنا وفتياتنا ! ، و المؤمل في ارتقاء التعليم الجامعي ، والمؤمل في مواجهة هذه المدن للانفجار السكاني الهائل الذي ينتظر بلادنا ، حيث أنَّ نسبة الأطفال في السعودية ممن تبلغُ أعمارهم 14 عاماً وأقل تصل إلى 49.23% من إجمالي عدد السكان السعوديين ( شبكة لها أون لاين ، 5- 12- 1427هـ ) ، هذا عدا أنَّ نسبة فقدان المعيل للنساء السعوديات وصل في عام 2006 م إلى 5000 آلاف إمرأة ( العربية نت ، 13-9-2006م) ، فأين هؤلاء من قضايانا التي نعاني منها على أرض الواقع ، أين هم من طموحاتنا ، وآمالنا عندما سمعنا بنبأ تدشين هذه المدن الاقتصادية ؟! للأسف اهتماماتهم عكست تفكيرهم القاصر، فانصبت على الحرية المزعومة ، والقيادة ، والاختلاط ، وتحييد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن ممارسة أعمالها كجهاز رسمي حكومي طالما أعياهم وجوده !

فعملية استهداف المرأة السعودية تتطلب منَّا جميعاً استيعاب عناصر الهجمة الحالية ، وأدواتها ، من خلال ظهور فكرٍ هشّ لايعرف ماذا يريد سوى مطاردة سراب الحرية المزعومة !! ولنتمسك بديننا الإسلامي الذي أعزنا الله به ، فكم حفظ للمرأة حريتها ، وأكرمها ، ولنأخذ العبرة في العبارة التي قالها الفيلسوف الألماني " شوبنهور" في مجلة الفتح في عددها الصادر : 28-1-1336هـ حيث جاء فيها : ( اتركوا للمرأة حريتها المطلقة كاملة بدون رقيب ، ثمَّ قابلوني بعد عام لتروا النتيجة ، ولا تنسوا أنكم سترثون معي للفضيلة ، والعفة، والأدب ، وإذا مت فقولوا : أخطأ ، أو أصاب كبد الحقيقة ! ) ومادام فينا من يقيم شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لن نصل يوماً إلى رثاء العفة ، والفضيلة ، والأدب !