هذه القصة أردت إطلاعكم عليها لأخذ العظة والعبرة وبذات في هذا المنتدى لما له من شعبية كبيرة والله من وراء القصد أقسم لك أنني لم أعد أكترث للثمن الباهظ الذي أدفعه للتعلق بطوق النجاة الممزق، لكنني أفكر في الثمن الذي قد تدفعه هاتان البريئتان غدا".
بهذه الكلمات أنهى الكاتب والإعلامي المعروف خالد السليمان مقاله - المنشور بجريدة عكاظ اليوم - تحت عنوان الثمن الباهظ, والذي استعرض فيه قصة زوجة من أسرة فقيرة, تزوجت زوجا فقيرًا وأنجبت منه أولاد ثم مات, لتعود إلى الفقر ولكن في المقدمة الأمامية لتبحث عن حل، فالضمان الاجتماعي يعطيها مساعدة لا تسمن ولا تغني من جوع, فأخذت تطرق الأبواب لتطلب المساعدة وكان الثمن الباهظ شرفها شرط المعونة.يقول السليمان في بداية سرده للقصة المؤلمة: «فتش عن الفقر» فيما تنتجه البيئة الفقيرة من جرائم وانحرافات، كتبتها من قبل وأكررها اليوم، هذه قصة فتاة تنتمي لهذه البيئة تزوجت مبكرًا حيث يعتبر الزواج إحدى وسائل الهرب من الفقر بالنسبة للفتاة أو نقل عبئها إلى الغير بالنسبة لأسرتها، وأنجبت طفلتين ثم اختطف الموت زوجها وتركها أرملة وحيدة في مواجهة الحياة وهي في العشرين من عمرها.
ويسرد السليمان قصة الأرملة الشابة فيقول: "تقول الأرملة الشابة: لم يكن انتقالي من بيت أهلي إلى بيت زوجي انتقالاً من الفقر إلى الغنى أو حتى الكفاف، بل كان انتقالا من ركن في الفقر إلى ركن آخر منه، فزوجي كان ينتمي لنفس بيئتي الفقيرة؛ لكني كنت في الصف الخلفي في معركة الفقر، وعندما مات وجدت نفسي فجأة في الصف الأمامي بلا أسلحة أو خبرة أو مساندة، فأسرتي عاجزة عن تدبر أمرها حتى تتدبر أمري و عيالي، أما أهل زوجي فحالهم ليس بأفضل من حال أهلي!.
وتضيف قائلة: لجأت إلى الضمان الاجتماعي فكان كل ما تمخض عن جبل مساعدته هو مبلغ 1430 ريالاً في الشهر - نعم 1430 ريالا!- يذهب أكثر من ثلثه لسداد إيجار الشقة المتواضعة التي نسكنها والباقي بالكاد يغطي بعض نفقات الطعام والملبس والنقل، هل تصدق أن طفلتي لم تدخلا في حياتهما صالة ألعاب ترفيهية أو مطعمًا أو محل لعب، والكبيرة منهما تسألني بلسان يقطر براءة :لماذا لا أدخل روضة أطفال؟ ثم تجيب بنفسها، «أنا أعرف يا ماما عشان ما عندك فلوس كفاية»، فلا أملك غير إجابتها بالدموع والانهزام النفسي، وكان لابد وأن أبحث عن مصادر دخل إضافية، طالبت الضمان أن يصرف لي مساعدة مقطوعة ما دام عاجزًا عن رفع مرتب الضمان الأصلي فرفض، دققت أبواب الجمعيات الخيرية فكانت تقدم لي مساعدات عينية من وقت لآخر تكلف أحيانا أجرة السيارة التي تقلني وتعود بي أكثر من قيمتها!.
وبألم شديد تقول الأرملة الشابة: لكن الأقسى أنني وجدت وراء بعض الأبواب التي طرقتها من يساومني على نفسي كي يساعدني، فتقديم المساعدة مرهون بتقديم شرفي بالمقابل، والمؤلم حقًا أنهم يجلسون على مكاتب لا يملكونها وفي وظائف اؤتمنوا عليها وجعلوا فيها لخدمة أمثالي ومساعدتهم على مواجهة ظروف الحياة بدلاً من التحول إلى مصائد للافتراس البشري!.وينهي السليمان مقاله بكلمات على لسان الأرملة الشابة: "أنا يا سيدي مهزومة نفسيًا وإنسانيًا واجتماعيًا، لكن الهزيمة الأعظم كانت عندما وجدت نفسي في النهاية مرغمة على تقديم التنازلات، وأقسم لك أنني لم أعد أكترث للثمن الباهظ الذي أدفعه للتعلق بطوق النجاة الممزق، لكنني أفكر في الثمن الذي قد تدفعه هاتان البريئتان غدا".
المفضلات