ينبع.. وذاكرة التاريخ

د. يوسف العارف • المدينة 11/7/1427هـ
.

.(ينبع) لها في التاريخ ذكر ونصيب..
ولها في الحاضر وقع ورجع صدى قريب..
ولها بين السالف والتالد أمر يزهو فيزهر العندليب..
•••
بهذه المفردات الشاعرية غادرت ينبع –ذات مساء- بعد أن قضيت فيها اياماً ماتعة ما بين الشرم والبحر وما بين ديرمان والهيئة الملكية وما بين ينبع البحر وينبع الصناعية. وما بين هذا وذاك من أسواق وميادين وشوارع فسيحة وفنادق تفتح ذراعيها لاستقبال الزوار والمسافرين ومنتجعات حديثة تفرد ذراعيها لكل قادم ونازل يرغب الاستراحة والاستجمام وقضاء وقت بهيج.
(ينبع) هذا الفضاء المكاني المشع تاريخاً وحضارة وواقعاً وتراثاً، زهرة جميلة في دوحة هذا الوطن المعطاء الممتد من الماء إلى الماء. ومحافظة تسكن البحر وتستوطن قلوب أهاليها لأنها واسطة عقد بين حرمين مكة والمدينة، ومدينة صناعية تدخل عصر العولمة والاقتصاد من أوسع أبوابها بما تمثله من صناعات حيوية ومعاصرة ومستقبلية.
(ينبع) التاريخ والبحر المسكون بالدانات والغوص ورحلة الماء اللاينتهي.
"ينبع" التراث والكسرات وأمسيات السمر على ضوء القمر بجوار الشاطئ وأمواج البحر..
(ينبع) كل هذا وأكثر!!
(ينبع) الإنسان الذي جالد الصعب، وامتشق البحر، والسفن إلى عالم المجهول فعاد محملاً بالصبر والسكينة فتشكلت على يديه مدينة الآباء والأجداد وتمددت حتى أصحبت درة تزداد بهاءً وروعة وحضارة.
ها هي (ينبع) القرية التي تسكن البحر، والمدينة التي تشرف على الساحل نتحول إلى فضاء متسع من المدينة والحضارة والعمران يأخذ الحنين بالماضي فتبحث عن المدينة/ التراث، المدينة/ التاريخ، المدينة/ الأم فتلوذ إلى القديم إلى تلك البيوتات التي بنيت من الحجر البحري (المنقبي) التي تذكرك بالبيوت والمباني في جدة القديمة.
المدينة/ الأم التي تشرف على الميناء تراها فتسكب العبرة على دنى التاريخ وتلك الذاكرة التي لم نحافظ عليها. بدأ البنيان يتساقط والرواشين تتكسر وتذوب من الرطوبة وعدم الصيانة والجحود من أهلها الذين تحولوا إلى المناطق السكنية الحديثة وتركوها نهب الدمار والخراب والضياع.
(ينبع) التاريخ ذاكرة أهملها الحاضر.. أهملتها البلدية، أهملها الآثاريون في إدارة التربية والتعليم.
كنت أظن – وأنا أتجول بين أزقتها- أن أحد تلك الحفاوة التي منيت بها مدن جدة القديمة والطائف القديم ومكة الإقدام ولكني شاهدت حضارة تندثر ومباني تراثية تكاد تتهدم وتزول!!
فأتساءل أينكم يا أهل الآثار؟ يا أهل المدن التقليدية؟! يا بلدية ينبع؟! يا رجال ينبع الأكارم؟!
وأصيح بأعلى صوتي:
انقذوا مدينتكم فإنها تكاد تندثر
ويكاد التاريخ يغادر التاريخ
والله المستعان
• عضو مجلس أدبي جدة