الدروس الخصوصية وكتابة البحوث
د. خالد بن محمد الصغيّر
ونحن على أعتاب أبواب الاختبارات الفصلية تبرز على السطح التربوي ظاهرة متنامية مقلقة لجميع الأطراف ذات العلاقة من طالب، أو طالبة، وولي أمر، ومعلم، ومربٍّ، ومسؤول، والمتمثلة بظاهرة تقديم دروس خصوصية للطلاب في بعض المواد الدراسية، أو القيام بكتابة الأبحاث المطالب بها الطلاب. وهي ظاهرة قديمة جديدة، ولكنها في الآونة الأخيرة تفشَّت، وأخذت أبعاداً ومنحى آخر أثرت بشكل سلبي كبير على العملية التربوية سواء على مستوى التعليم العام، أو الجامعي تمثل في ضعف الناتج التعليمي، وقلة فاعلية الطالب داخل غرفة الصف، كما أنها من جانب آخر أثقلت كاهل أولياء أمور الطلاب. ومن هنا فليس من باب المبالغة القول إن هذه الظاهرة - بضلعيها الدروس الخصوصية، وكتابة البحوث - تعد من أهم المشكلات التي تواجه العملية التعليمية في المملكة في السنوات الأخيرة والتي يمكن أن نطلق عليها (التعليم في السوق الموازية) أو (التعليم في السوق السوداء).
في الآونة الأخيرة تولدت لدى أولياء الأمور رغبة عارمة في تهيئة السبل أمام أبنائهم لجعلهم في مصاف الفائقين، ولكنهم مع هذا التوجه الإيجابي سعوا لتحقيق ذلك من غير أن يكون لهم مشاركة مباشرة إلا من خلال العمل على البحث عما يساعد أبناءهم على تحقيق عنصر التفوق والنجاح، وذلك من خلال الاستعانة بأساتذة يقومون بتدريس أبنائهم وبناتهم بشكل خاص. وهناك من أولياء الأمور من هو على النقيض من ذلكّ فانشغالهم عن أبنائهم وبناتهم جعلهم يرون أن مسئوليتهم تتوقف على توفير البديل الذي يؤدي الدور المنوط بهم، ويخليهم من المسؤولية الملقاة على كواهلهم بمتابعة مسيرة أبنائهم التعليمية بأنفسهم.
والمعلمون أيضا لهم إسهام في تنامي هذه الظاهرة نظراً لقصورهم عن أداء واجبهم على أكمل وجه، وتواضع مستوى البعض منهم، واستخدامهم لأساليب تقليدية في التدريس، وتعاملهم مع الطلاب بقدر كبير من اللامبالاة، والتهرب من المسؤولية. كل ذلك حدا بالكثير من الطلاب ومن ورائهم أولياء أمورهم بالبحث عما يغطي هذه النواقص الناتجة عن وضع ومستوى كثير من المعلمين.
إن تنامي ظاهرة الدروس الخصوصية، وكتابة البحوث الصفية يستدعيان تكاتف الجهود سعياً للقيام بخطوات عملية حاسمة تسهم في القضاء عليها، أو على أقل تقدير وقف انتشارها. والحلول العملية المقترحة للتعامل مع هذه الظاهرة يمكن تقسيمها إلى قسمين اثنين: حلول قصيرة الأجل. وحلول طويلة الأجل.
ومن ضمن الحلول قصيرة الأجل التي يمكن الأخذ بها:
أولاً: تطوير وافتتاح المزيد من مراكز الخدمات التربوية والتعليمية الحالية التي تقدم دروسا لتقوية الطلاب والطالبات المحتاجين لذلك برسوم رمزية في الفترة المسائية، وإسناد العمل في هذه المراكز إلى المعلمين المتميزين، وأن يكون هدفها الرفع من مستوى التحصيل الدراسي لأبنائنا الطلاب بمختلف فئاتها، بما في ذلك المتأخرون، ومتوسطو التحصيل، والمتفوقون الذين يرغبون في مساعدتهم في إثراء جوانب التقدم العملي لديهم، وأن تقدم هذه المراكز خدمات تتوافق واحتياجات الطلاب ومستوياتهم بحيث يكون هناك دروس فردية، وجماعية، وتدريس في المنزل جنباً إلى جنب مع الدراسة في مراكز الخدمات التربوية. ويمكن الاستعانة بوسائل التقنية الحديثة من خلال طرح خدمة الدروس الخصوصية على شبكة الإنترنت بحيث يمكن للطالب المحتاج الاتصال المباشر على مدرس المادة، ويمكن كذلك تصميم مواقع تتيح للطلبة المشتركين تلقي الدروس الخصوصية من خلال شبكة الإنترنت وتزويد تلك المواقع بخدمة الصوت، والصورة، ومحاولة الاستفادة من جميع الإمكانيات التقنية التي تسهل عملية شرح الدروس. ويمكن كذلك أن تقوم وزارة التربية والتعليم بطبع اسطوانات مدمجة تقوم بتبسيط المادة العلمية لقطع الطريق على الملخصات التي يبيعها المدرسون الخصوصيون.
ثانياً: افتتاح مراكز خدمات طلابية داخل الجامعات، والكليات التي من شأنها تقديم خدمات استشارية تعليمية، وتقديم دروس تقوية لبعض المواد، وتقديم ورش عمل، ودورات تدريبية قصيرة حول كيفية إعداد، وكتابة البحوث، وغيرها من الأنشطة ذات العلاقة.
ثالثاً: توجيه أساتذة الجامعات لاستخدام طرق ووسائل تدفع بالطالب حتى يقوم بكتابة البحث بنفسه. فعلى سبيل المثال يمكن أن يُطلب من الطالب القيام بإلقاء بحثه الذي كتبه في القاعة، وكذلك يمكن للأستاذ استخدام التقييم المستمر بحيث يطلب من الطالب تزويده بتقارير دورية كتابية وشفوية عما أنجزه في بحثه.
رابعاً: التشديد على الأساتذة بضرورة قراءة بحوث الطلاب، وتزويد الطالب شفوياً وكتابياً بملاحظاتهم، وتعليقاتهم حتى يشعر الطلاب باهتمام الأستاذ، ومتابعته لما كتبه. ويمكن أن يقوم الأستاذ بتوزيع الطلاب إلى مجموعات بحيث تشترك كل مجموعة في كتابة بحث واحد. وهذا الاقتراح يحقق هدفين اثنين: يعمل على تخفيف العبء على الأستاذ لأنه لن يقوم بقراءة عدد كبير من البحوث، ومن جانب آخر يسهم في تحقيق هدف تربوي يتمثل في إشاعة روح العمل الجماعي، وأيضاً يمكن أن يستفيد الطالب غير المتمكن من كتابة البحث من العمل مع زميل لديه معرفة، وقدرة على كتابة البحث. ويمكن للأستاذ الاستفادة من معطيات التقنية الحديثة بحيث يطلب من كل مجموعة التواصل معه عن طريق البريد الإلكتروني.
خامساً: توجيه الأساتذة بالعمل على التنسيق فيما بينهم بحيث لا تتم مطالبة كل واحد من الطلاب بكتابة بحوث رئيسية وكبيرة في الفصل الواحد. ويمكن أن يتولى عملية التنسيق هذه رئيس القسم الذي ينتمي إليه الأساتذة.
سادساً: تشكيل جهاز رقابي خاص للتصدي لهذه الظاهرة عن طريق القيام بجولات ميدانية ابتداء من منتصف كل فصل دراسي لتشمل مراكز الخدمات الطلابية، ورصد الإعلانات المختلفة عن الدروس الخصوصية، وغيرها من الخدمات الأخرى.
سابعاً: تطوير الأنظمة واللوائح التي تمنح عادة لمراكز خدمات الطلاب وذلك للحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها تدريجياً.
ثامناً: العمل بصفة مستمرة على إلغاء عقود، وإبعاد المعلمين والموظفين المتعاقدين العاملين في الدروس الخصوصية بصفة غير نظامية سواء في التعليم العام أو الجامعي.
وإلى جانب هذه الحلول القصيرة الأجل هناك أيضا حلول مقترحة طويلة الأجل تتمثل فيما يلي:
نحن بحاجة ماسة إلى القيام بدراسة ميدانية علمية موسعة تساعد على رصد هذه المسألة، والتعرف على أسبابها، وطرح الحلول المناسبة لها. وهذه الدراسة يجب أن تعمد إلى استخدام معايير علمية للوصول إلى جملة من الحقائق التالية: القيام بدراسة إحصائية تظهر أعداد الطلبة الذين يعتمدون على الدروس الخصوصية في جميع المراحل؛ وتقدير حجم المبالغ المالية، أو متوسط المبالغ التي تنفقها الأسر على الدروس الخصوصية، ومحاولة تلمس أسباب هذه الظاهرة: هل هو نتيجة قصور في العملية التعليمية، أو تكدس الطلاب في الفصول الدراسية، أو بسبب ضعف رواتب المدرسين، أو سوء المرافق والإنشاءات، ونقص التجهيزات التعليمية، أو أن الفروق الفردية تلعب دوراً في هذه القضية، أو ضعف التأهيل العلمي للمدرسين وبالذات في المواد التي يستعين فيها الطلاب بمدرسين خصوصيين، وهل يعود ذلك إلى خلل في بناء المناهج، وطرق التدريس، وغيرها من الأسباب.
ومن خلال هذه الدراسة نحن بحاجة إلى معرفة نوعية المواد التي يلجأ فيها الطلاب إلى أخذ دروس خصوصية فيها، ومحاولة تلمس ومعرفة منبع شعور الأسر بالحاجة إلى الدروس الخصوصية، والنظر في السياسة التعليمية بوجه عام. فهل السياسات التعليمية القائمة في التعليم العام والجامعي تساعد على انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية؛ نظراً لأن طريقة التدريس، ووضع المناهج، والامتحانات التي تعتمد على الحفظ والتلقين جميعها تدفع بالطلاب إلى التحصيل والحفظ في الأشهر الأخيرة من العام بالاعتماد على الدروس الخصوصية والملخصات التي يعدها مدرسون خصوصيون ومكاتب خدمات الطالب.
وهذه الدراسة المقترحة ينبغي أيضاً أن تقوم بدراسات استطلاعية تشمل الطلاب، والمدرسين، والخبراء لمعرفة مرئياتهم حول هذه القضية، ومحاولة معرفة ما إذا كان هناك علاقة مباشرة بين السياسة التي تتبعها وزارة التربية والتعليم من خلال زرع الخوف بين الطلاب بأسئلة من خارج المنهج قد أدت بالطلاب بالبحث عن مساعدة خارجية متمثلة بأخذ الدروس الخصوصية، وعدم الاكتفاء بشرح المعلم داخل الفصل، ومعرفة هل فقط المعلمون الوافدون من يقوم بالدروس الخصوصية، ودراسة أسباب فشل وعدم الإقبال على مراكز التقوية في المدارس، ودراسة ما إذا كان لثقافة المنزل دور في شيوع الدروس الخصوصية؛ حيث يصر كثير من الأهالي على حصول أبنائهم على درجات عالية من دون النظر إلى مستوياتهم؛ واستعدادهم الذهني، وطموحهم، ومحاولة معرفة مدى ارتباط شيوع الدروس الخصوصية بالسباق لإحراز مجموعة من الدرجات التي تؤهل لدخول الجامعات والكليات.
كما أننا بحاجة ماسة إلى العمل على الرقي بمستوى التعليم العام و الجامعي في المملكة بما في ذلك إعداد المعلم؛ والمنهج التعليمي، والبيئة التعليمية، والأجهزة والمعامل، والوسائل التعليمية. كما أننا يجب - ضمن حلولنا طويلة الأجل للتصدي لهذه الظاهرة - أن نعمل على المزيد من سعودة الوظائف التعليمية في المدارس الأهلية، وتطبيق الأنظمة الرادعة للمدارس التي تحتضن الدروس الخصوصية. وكذلك نحن بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في مناهج طرق البحث المعتمدة في المرحلة الجامعية وما فوق الجامعية، وأيضا تزويد مكتبات الجامعات بالمزيد من الكتب والدوريات المتخصصة، وتوفير الدعم المادي المناسب لتمكينها من الاشتراك في قواعد المعلومات التي توفرها مراكز البحوث العالمية من خلال الإنترنت، وإضافة إلى ذلك يمكننا أن نقوم باستحداث مراكز للترجمة داخل الجامعات لمواجهة احتياجات الطلاب، والباحثين وتقديم خدماتها بأجور رمزية.
وهكذا يتضح من خلال استعراض جملة من الحلول قصيرة وطويلة الأجل أنه لابد من توحيد ورص الجهود من قبل جهات عدة بما في ذلك وزارة التعليم العالي، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة الخدمة المدنية، والمديرية العامة بوزارة الثقافة والإعلام، ووزارة التجارة، والمواطنين أنفسهم طلاباً وأولياء أمور. وذلك يتطلب عملاً واقعياً على الأرض وليس مجرد كتابة تعاميم وخطابات يتبخر أثرها بمجرد جفاف حبرها.
المفضلات