هذه الزاوية موجهة اليوم للمعنيين بالتربية والسلوك العام في البلاد، وهي رسالة موجهة من الميدان بعيداً عن المقولات النظرية التي يحتزم بها أولئك التربويون الذين لم تتعرق وجوههم إزاء ردود تلاميذهم التي تفتقر للحدود الدنيا من الاخلاقيات التي نتغنى بها بينما في الواقع غدت سلوكيات منقرضة في ظل واقع بحاجة الى وقفة صادقة لمتابعة مايموج تحت السطح من انحراف كامل عما كنا عليه.
وسوف أراهن أدهى التربويين أن يدرس فصلا كاملا من غير أن ينهيه بالمناشدة للوقوف على المتغير الحادث في المدارس والتصرفات المشينة التي تصدر من الطلاب في هذه الأيام.
دخل المدرس على طلابه وهم في فوضى طاغية، فظل لربع ساعة يطبق كل الوسائل التربوية لاسكاتهم لكي يبدأ الدرس ولكن من غير فائدة، فالكلمات تتقافز من الافواه، وصرير المقاعد والكراسي في ازدياد، والاصابع المرفوعة الطالبة للإذن بالخروج تتزايد، وتقاذف أدوات الكتابة في الهواء، وصوت المدرس يتعالى راجيا الهدوء، كان أعزل من كل شيء، وعندما اراد ان يهددهم قائلا:
- في النهاية حزعل.
ليسمع الرد الفوري وبصوت جماعي من طلابه:
أحسن ما دام انك زعلت ??? أحسن وعنك مارضيت!!
هذه الواقعة حدثت بالفعل، وهناك عشرات التصرفات تحدث يوميا لايجد معها المدرس أدوات تمكنه من أداء دوره التربوي في ظل تفضل وزارة التربية والتعليم بسلبه كل أسلحته، وتحويله الى أداة عديمة الجدوى حين يكون الطالب متسلحا بقرارات الوزارة، فالطالب يدخل المدرسة وهو يعرف أن (أجعس جعيز ) في المدرسة لن يؤنبه لا بالكلمة ولا بالعصا، وإن حدث ذلك نجد أن الوزارة (بجلال قدرها) سخرت موظفيها لمتابعة ذلك المدرس الذي رغب في تأديب تلميذه، وتبدأ سيطرة المجتمع على المعلم من خلال الاسرة التي تزود ابنها بمعلومات أهمها أن المعلم (لايهش ولاينش) ولايقدر أن يفعل بك شيئا، وهناك بعض أولياء أمور يأتيك متحزماً بقرارات الوزارة لكي يؤنب المدرس ويهدد بأنه سوف يشتكي (ليه ياعم) فتخرج عبقرية ولي أمر الطالب بأن المدرس أهان ولدي..أهانه بأيه..أوقفه أمام الطلاب وقال له لم تحل الواجب..طيب يعمل إيه..لا هذه الكلمات تنافي التربية الحديثة.
المدرس غدا ممسحة الجميع، الكل يحمله مشكلة مخرجات التعليم ولم يحمل أحد قرارات الوزارة في هذه المخرجات، فالوزارة هي أول من يحتقر معلميها، لا احتاج لدليل على هذا التحقير، وإن أردتم سأقول لكم إن كلمة معلم تعد عقوبة داخل وزارة التربية والتعليم، فإذا أخطأ مدير مدرسة أو وكيل، سارعت الوزارة أو ادارة التعليم بتجريم أو تحميل المدير القصور، وقررت تحويله الى معلم وينشر هذا القرار في وسائل الاعلام، إذن كلمة معلم ليس لها قيمة اجتماعية أو قيمة أخلاقية لأنها عقوبة..
وعندما يضرب المعلم تجد تباطؤ الاجراءات ولابد أن يثبت المعلم أنه تعرض للضرب أي لابد ان ينزف دما وبمعنى آخر هو غير مصدق فالطالب أكثر مصداقية منه، وفي هذه النقطة قرأت مقالا لأحد المدرسين (يتحسف على نفسه) قائلا: إنه ضرب عندما كان طالبا وضرب عندما أصبح معلما أي أنه تواجد في زمنين يجيزان ضربه في الحالتين..
ويغيب عن الوزارة واولياء أمور الطلاب أن تحميل المدرس بكل الاعباء وسحب كل الصلاحيات أدى الى خلق معلمين لايعنيهم كيف يتم اخراج الطالب..هذه هي المشكلة إن أردتم التبصر.
ومن يغضب من هذا القول سأستعير نفس رد الطلاب:
أحسن ما دام انك زعلت ??? أحسن وعنك مارضيت!!!