زيارات «خطّافى».. لاتتجاوز الليلة بنهارها تلك التي أميِّل فيها على «الينبعين» بحرا ونخلا.. لكنني «أتحيَّز» الى البحر لجداويتي المنقوعة في «البنط»..
«سيجة» و «دامة».. و «ينبعك والسلامة
»


عكاظ/ يحيى باجنيد
المعجونة بماء بحر «الاكياس» وبحر الاربعين قبل ان يختزل في «بحيرة».. ويُفصل من ثدي «أم الرخا والشدَّة»!.. اذهب الى بحر «ينبع» المشبع المترع بالمغنى.. «خبيتي» و«عَجل» وبحري وليالي ومواويل، احدثه باللغة التي يفهمها:
«اشتقنا يا حلو والله اشتقنا..
لكن من زمان مفارقنا!
ياما ياما وياما اتعانقنا
يا حلو اشتقنا.. والله اشتقنا».
وعلى صدر البحر في ينبع القديمة تتكئ حيطان استحى من شموخها «الدركتر».. فترك ما بقي منها على قيد الحياة.. أتمِّم على حيطانها.. وأصيخ السمع لضحكات «شيبانها».. يتنافسون في سَكَّات «الضومنة» و «السيجة» و«الدامة».. وينبّشون دفاتر الحب القديمة في «ينبعك» و السلامة..
***
كانت امواج البحر ترشق حيطان (جدَّة)بقبلاتها الساخنة (صيفا) الباردة (شتاء).. وكانت على الحالين على قلوبهم (زي العسل)!.
وكانت في تلك الحيطان عيون وآذان.. يسمع أنفاس كدها وسعدها.. وجزرها ومدها، الجيران وجيران الجيران.. ليس لناسها سر يخفيه احد على أحد.
حياة وادعة.. يعيش فيها الى جانب الانسان حتى السيد (ابو جلمبو).. يحفر بيته في حجارتها وينام قرير العين.. ويصحو - على استحياء- على صوت «سعدية» و «صبرية» وهما تتوشوشان وتضحكان على «تلبيبة» الضحوية، او شاهي «العصرية».. ومن بعيد «تزغُر» فيهما ستي «حسنيَّة» وهي تُهفهف على وجهها بالمروحة (الخصف):
- «إيش هادي الزغدة والفورة يا بنات؟؟ مصخرة وقلّة حيا»!.
و «الفورة» ابنة عم «الزغدة».. وهما ضرب من الضحك المكتوم والمختلس.. يمثلان الوجه الآخر (الخجول) لرومانسية الزمن (المستكاوي)!.
مساكين «عزّة» و «كُثير».. والمساكين اللي زيهم كتير.. هاموا في الحياة بأغنام و «بلا» اغنام.. يُهَشُّون بعصاهم ويَهِشُّون لمن رآهم.. يسعهم منه الابتسام، حتى قبل السلام والكلام!.
***
طيبون رقيقون كشغاف القلب.. هم أسياد الطرب و (المغنى).. وبالتأكيد ليس (المغْنى) الذي قال عنه «بيرم»:
«يهل المغنى..
وجعنا دماغنا
دقيقة سكوت لله»
بل (المغنى) الذي ينساب على صدر (البحر) «على سنبوك» دون ان يوقظه.. ليلتقي بـ «جندول» النهر الخالد، يعوم على عومه.. ويرسو على مرساه:
«سمبوكي واقف في المينا..
وانا وحبيبي في جنينة
والورد مخيم علينا
ورد الغصون غالي علينا».
كانوا من الزمن القديم أهل (الغلا والسلا) يطربون حتى على فتيلة الفانوس ولسع الناموس.. ايام هُدنة (حُمَّى الضنك).
***
وتسهر «السمسمية» اليوم بموال على صوت (عواد محمد ناصر) يأتي من ذاكرة سنين الطفولة:
(يا صاحب العقل ما عندك من العقل شيء تبيع منُّه؟!
عندي من العقل لكن باكتسب منُّه..
البيت اللي كتر دوسه كف القدم عنُّه..
لا تروح عازه منُّه يتهموها فيك..
وتكون إنت الخسران، وغير مكتسب منُّه..
***
عجايب - وليست عجيبة واحدة- على هذا الكلام (المتعوب عليه)!.. يأتي من ذاكرة الطفولة.. وأسمع اليوم كلاما لا أكاد أحفظه «بكرة».. كأن الذاكرة مدهونة «بالزبدة».. تطلع عليها الشمس فتسيح!.
الوعكة ليست في ذاكرتنا..
بل في ذائقتنا المجني عليها مع سبق الاصرار والترصد!.
***
وكما كانت ينبع لـ «كُثِّير عزَّة» مورد الماء والكلأ.. فهي لوجدان أهلها منبع (الغلا والسلى)..