[dci][mark=#FFFF00]سوق الجابرية ـ عودة لزمن جميل [/mark]

بقلم / مُفوِّز مُفِيز الفواز
08/07/1429هـ

الجزء الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

لحظات انقضت وخواطر مرَّت متعاقبة ومتسارعة في ذهني ، أحاول جاهداً لملمة شتاتها لكي أتمكن من استرجاع ما جال في خاطري لحظة وقوفي أمام هذا المكان الذي طالما امتلأ بحشود من الناس .. الباعة ، المشترين ، المتسوقين . وقف ذهني لبرهة مشدوها ، فقد كان ذلك لحظة كان السوق عامراً بكل أهله .. زمنٌ طويل أحسبه تجاوز الثلاثين عاماً ، ولم أحسبني أيضًا بعد كل هذه المدة سوف أقف في هذا اليوم لأشاهد تلك الصور ذاتها المتلاحقة في ذهني وهي تعود لتظهر في سوق الجابرية القديم المتهالك من أثر السِّنين المتعاقبة عليه دون أن يُعرّج عليه أحد بعد أن أُغلِقت أبوابه وسقطت عليها أسقُفه ، ولم يَدُرْ في خلدي قبل هذا اليوم أنني سوف أرى هذا السوق وقد عادت له هذه الحياة مرة أخرى ، ليس ذلك قنوطاً – حاشا لله ،عز وجل – إنما كنت أتوقع عودته مُحدثا على طراز ما يُتَّبع في عصرنا الراهن من البناء ، كل هذه الأفكار والتخيلات لحقت بي وأنا متجه من ينبع البحر إلى ينبع النخل بعد صلاة الفجر ليوم الجمعة الثامن من شهر رجب عام 1429هـ وبالتحديد إلى [سوق الجابرية القديم] في قرية الجابرية .






وصلت إلى المكان قبل شروق الشمس وقد تخيلت نفسي أنني بكَّرت الحضور ، ولكن الواقع كان غير ذلك فالزحام شديد كما كان عليه في الماضي ، كان الحضور كبيرًا غالبيتهم جاء اليوم ليستعيد ذكرياته ولا يعنيه ما يُعرض فيه ، أما من يجهله فقد كُوِّنت لديه فكرة واضحة عما كان عليه السوق ، فوعاها وأدركها دون أن يتكلف أحدهم بشرح واقع السوق له.







دخلت السوق من المدخل الجنوبي المواجه للطريق الرئيس وقد انطلقت الحركة في سوق الجابرية القديم ودبت الحياة بين جنباته ، المكان هو المكان والناس هم الناس ، وكأني بهم أراهم أمامي اليوم وأسمع همساتهم ، هذا يجلس على عتبة دكانه ، والآخر يجري في وسطه وهو يُنادي على سِلعة في يده لِيجدَ لها مشتريًا دون أن يُكلف الآخرين عناء البحث عنه أو الذهاب إليه في مكان [المزايدة] ، هذا الرجل هو الدلاَّل قديمًا يحملُ سلعته على عاتقه أو عينة منها إذا كان لا يستطيع حملها ، فيجوب بها أرجاء السوق ذهابًا وإيابًا يُدلِّل عليها ، فلربما وجد من يُزايد فيشتريها، أشرقت شمس هذا اليوم في تمام الساعة الخامسة وخمسون دقيقة ، فانطلق في وسط سوق الجابرية القديم صوت لم يعهد سماعه في هذا المكان إلا من عايش هذا السوق أيام كان مركزًا لجميع قرى ينبع النخل في يومه المقرر إقامته فيه وهو يوم [الجمعة] من كل أسبوع مع الاستمرار في الأيام الأخرى من الأسبوع كبقية الأسواق ، هذا هو صوت كبير الدَّلالين ــ أو شيخ الدلالين ــ رفعه مؤذنا ببدء انطلاق السوق للمزايدة على أول سلعة في برحة الحراج ، ثم تبعه الآخرون كل فيما يخصه ، فهذا يبيع الماشية ، وذلك يبيع الرطب ، والآخر يعرض ما لديه من منتجاته الزراعية ، أصوات هؤلاء الدلالين والمتزايدين على السِّلع ارتد صداها بين جنبات السوق ودكاكينه المفتوحة سلفًا وكأنها تريد أن ترحب بهذا الجمع القادم إليها بعد طول فراق ،، فقد باتَ من ذاك التاريخ لا حاجة له بعد أن هجر أهله قراهم التي أنشئ السوق بينها من أجلهم لانقطاع عيونها وموت مزارعهم. ساهم في هذا كله الانتشار السكاني و ما تبعه من تطور عمراني واحتياجات ألحَّت عليها ضرورة العصر ، واليوم يعودون إليه.








[/dci]