هوية اللغة وجماليات الحرف العربي

دومًا المبدعون هم من يُشكِّلون حضارة مميزة، ويجعلون لأوطانهم مكانة تاريخية، أسماؤهم وأسماء مدنهم وأماكن تواجدهم تبقى حاضرة وعطرة تحفر في ذاكرة التاريخ






منى يوسف حمدان

المدينة ـ الخميس 11/12/2014

لغتنا العربية لها جمال لا تصفه كلمات. بحور الشعر تقف في ذهول في محراب جمالها.. أكرمها الله جل في علاه لتكون لغة مقدسة وتلك صفة لا تليق بغيرها فكانت خالدة بخلود الذكر الحكيم.


تاريخنا العربي تملأ صفحاته ينابيع فياضة من الشعر الأصيل والأدب الرفيع. تأنس الروح للغة الحب والعشق والحنين، وتلامس منا شغاف القلوب، فترقق ما قسي منها. إنه عالم الكلمة الذي قيل عنه (وإن من البيان لسحرا).


حصص اللغة العربية كان لي معها ذكريات جميلة في أروقة مدرستي، كنت أتأمل أبيات المتنبي وحفظت بيتًا واحدًا أُردِّده بيني وبين نفسي وعلى أسماع من التقي بهم:

إذا غامرت في شرف مروم

فلا تقنع بما دون النجوم

الولع باللغة مرتبط بوقعها على النفس البشرية، والكلمة المؤثرة التي تسحر العقول مخرجها هو نفس مخرج تلك الكلمة التي تجرح وتهين وتقلل من القدر والقيمة ويا للعجب. كيف نستهين بأمر كلماتنا مع أقرب الناس لنا. كلمة تطير بك فوق السحاب وأخرى تجعلك في ألمٍ وحزن شديد لأنها أصابت منك مكانًا في قلبك وقد تدميه.

يوم اللغة العربية الخالدة الذي حددته منظمة اليونسكو في الثامن عشر من شهر ديسمبر، تتمحور نشاطاته حول الحرف العربي، لما له من رمزية للغة، ففيه جمال يستحق التأمل، وتاريخ طويل وعميق يمتد إلى جذور الأرض.

جمال الحرف برسمه وفنه الإبداعي وكتابته بطريقة صحيحة؛ يجعل العين تعشق الحرف فتنطقه بشكل سليم، فلا صحة لبيان ولا استقامة للسان بلا يد تكتب أو ترسم حرفًا بطريقة صحيحة.

تذكرت تلك الأيام الخوالي في حصص الخط العربي، كيف كنا نحرص على إتمام واجباتنا بدقة وإتقان، واليوم طلابنا وشبابنا يعانون من ضعف واضح جلي في اللغة تحدثًا وكتابة، وتلك والله حسرة لا تصفها كلمات تستدعي تدخلاً عاجلاً لحل هذه المشكلة.

توقّفت مُتأمّلة باهتمامٍ كبير وإجلال وإكبار للفنان القدير العبقري من أبناء طيبة الطيبة الأستاذ نبيل نجدي، فلمساته الإبداعية مع الحرف العربي تجعل المولع باللغة يقف له احترامًا وتقديرًا.

في معرض أقيم مؤخرًا في محافظة ينبع على هامش ملتقى الاستثمار، والذي افتتحه صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينة المنورة، وبحضور الأمير الدكتور منصور بن متعب وزير الشؤون البلدية والقروية، وسمو الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار.

تجمعت على شاطئ ينبع مجسمات جمالية تنطق بروعة الحرف العربي، صنعتها أنامل ذهبية، بل هي أغلى من ألماس، فن إبداعي أكاد أقول إنه نادر الوجود في عالمنا العربي، استطاع هذا الفنان أن يطوّع الحديد والنحاس والرخام والحجر الصخري ليجتمعوا معًا، فيخرجوا لنا عملاً فنيًا إبداعيًا بمعنى الكلمة، مجسّمات شامخة شموخ اللغة العربية الأصيلة بحروفها ورونقها وتألقها بشكل فريد وغير مسبوق.

جماليات الحرف في الأعمال الفنية تنادي عاشق اللغة وتقول: من ينبع في منطقة المدينة المنورة رمز الحضارة ومنبع النور، بيننا فنان متميز، رمز من رموز الوطن الذي نفتخر به وبأعماله، سخّر وقته ليتحفنا بجماليات ترتقي بالذوق العام، تزين الساحات والميادين في محافظة ينبع والمدينة، وحتى وصلت أعماله إلى لبنان.

قلت له أستاذي الكريم أنت مدرسة، ما أحوجنا أن نتعلم فيها ومنها، وأن يتخرج على يديك تلامذة نجباء، فرد عليَّ ردًا لا يكون إلا من فنان، فقال: الفن ينبع من أعماق ووجدان الإنسان، العلم مهم ولكن الدراسة شيء والإحساس والعشق للفن شيء آخر.

نعم أستاذي، كلنا متعلمون ولكن قلة منّا مَن تعشق عملًا تؤديه، ليكون لها كالهواء الذي تتنفس، فلا تستطيع الحياة بدونه.

دومًا المبدعون هم من يُشكِّلون حضارة مميزة، ويجعلون لأوطانهم مكانة تاريخية، أسماؤهم وأسماء مدنهم وأماكن تواجدهم تبقى حاضرة وعطرة تحفر في ذاكرة التاريخ.

يبقى لي أن أُسطِّر كلمات الامتنان لأستاذة قديرة تعلمت منها الكثير -وهي رمز من رموز التعليم في وطني وبالتحديد في ينبع- الأستاذة رجاء فايز، منكِ أنتِ عرفتُ أدق التفاصيل عن فنّان الوطن المبدع المتألق، لن أقول كما يُقال عادةً: خلف كل رجل عظيم امرأة، بل أقول بصحبة هذا الفنان رفيقة درب وسند ومعين وشريكة نجاح -إنها أنت سيدتي-.

نبض مصطفى محمود حول اللغة في مقاله: (اللغة العربية أصل لغات العالم):

الحرف العربي بذاته له رمزية ودلالة ومعنى. فحرف الحاء مثلاً نراه يرمز للحدّة والسخونة.. مثل: حمى، حرارة، حب، حريق، حقد، حميم، وحرام، وحرير، وحنان، وحنكة، وحاد.


Majdolena90@gmail.com
للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS
تبدأ بالرمز (65) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى
88591 - Stc
635031 - Mobily

737221 - Zain


شكرا أستاذة منى يوسف حمدان فقد أنصفت فناننا الكبير نبيل هاشم نجدي
وهو يستحق مثل هذه الإشادة