الأربعاء 5 / 7/ 1434
يدعو ديننا الإسلامي الحنيف إلى حسن الظن بالناس والابتعاد كل البعد عن سوء الظن بهم؛ لأن سرائر الناس ودواخلهم لا يعلمها إلا الله تعالى وحده، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾، وسوء الظن يؤدي إلى العداوات وتقطع الصلات ، قال تعالى: ﴿وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾. وليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد، فكم أوقع سوء الظن من فراق بين المتحابين، وقطيعة بين المتواصلين. كما أن حسن الظن يؤدي إلى سلامة الصدر وتدعيم روابط الألفة والمحبة بين أبناء المجتمع، فلا تحمل الصدور غلاًّ ولا حقدًا.
عند صدور قول أو فعل يسبب لك ضيقًا أو حزنًا حاول التماس الأعذار، واستحضر حال الصالحين الذين كانوا يحسنون الظن ويلتمسون المعاذير، حتى قالوا: التمس لأخيك سبعين عذراً، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً)، وقال ابن سيرين رحمه الله: إذا (بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا، فإن لم تجد فقل لعل له عذرًا لا أعرفه.) هكذا كان دأب السلف رضي الله عنهم، فمن ساء ظنه بالناس كان في تعب وهم لا ينقضي فضلاً عن خسارته لكل من يخالطه .
قد يـخطئ الفرد ويستعمل كلمـة فـي غير مـحلها، ولكنه لا يقصد الـمعنى الخبيث منها، لكن إذا نظرت إلـى أحـوال بعض النـاس وجدتهم يقلبـون هذا الأصل ويجعلون إساءة الظـن هـي الأصـل عندهـم وهذا مـخالـف للأدلـة، فلا تراهـم يسمعـون كلمـة تحتمل مائة احتمـال صـواب واحتمـالاً واحدًا خطـأ إلا يحملونها على هذا الواحد وهذا فيه من سوء النية وفساد المقصد الشيء الكثير. ان الله عز وجل أمرنا بالتثبت فيما يصدر من الغير نحونا ونحو إخواننا قال تعالى:﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾، ولو لم يكن الظن على درجة عظيمة من الخطورة والأهمية في إضعاف روح الموالاة بين المؤمنين لما أكد الباري عز وجل على ذلك في الكتاب والسنة.
والأصل في المسلم السلامة من الفواحش وغيرها من الآثام، ولا يجوز الحكم عليه بخلاف ذلك بمجرد الظن والشك، وخلع المنظار الأسود عند النظر إلى أعماله ومواقفه، فلا ينبغي أن يكون سلوك المؤمن قائما على تزكية نفسه واتهام غيره. كما المطلوب من المسلم إذا رأى غيره في موضع ريبة أو تهمة، أن يحسن الظن به ويلتمس له العذر، وأن يستر عليه ويكتم سره، ولا يجوز التشهير به مطلقا، إلا من اشتهر بالفسق وكان مجاهرا به، فلا بأس بذلك لغرض التحذير. كما يتعين عدم إساءة الظن بالموتى، وعدم التحدث عنهم دون بينة، لئلا يتكلم فيهم بغير حق، فهم قد أفضوا إلى ما قدموا.
د.م/ ياسر عبدالعزيز حادي - ينبع
المفضلات