حميدة يوسف الفارسي
لعلي استطيع ان اجسد للسادة القراء موقفا عزز في داخلي حب الوطن، ففي احدى الجلسات ونحن في رحلة سفر انضمت الى مجلسنا بعض السيدات الاجنبيات من ذلك البلد وكان الحديث يدور حول الاعراف والتقاليد والسياسات بين البلدان ثم تجردت احدى الجالسات من سيدات وطننا عن وطنيتها واخذت تنعت وطننا واهله بسوء بالغ فما كان الا ان رايت امي يرحمها الله شمرت مدافعة بالحجة حتى اتت لها بالبراهين والاثباتات ان ما ذكرته كذب وافتراء وتعد ليس على وطنها فحسب وانما على اهل وطنها ايضا الذين يعدون في منزلة اهلها، ولا عجب في ذلك اذ اننا كثيرا ما نرى ونسمع عن اناس يتجردون اثناء سفرياتهم من اخلاقهم ومبادئهم القيمة ليتفرغوا للثرثرة ويتحذلقون امام الاجانب ومثل هؤلاء لا يضيف لهم السفر أي معنى من معاني الفائدة فهم يسافرون ويعودون دون فائدة.
وايضا علمتني امي حب القناعة والرضى بما رزقنا الله تعالى فكنت كلما اذكر لها عن فلانة وما تقتني من ملابس غالية او عن بيت فلانة وما يحتويه من اثاث فخم وفرش وثير، كانت تستمع الى باشة مبتسمة ثم تعلمني ان ادعو بهذا الدعاء " اللهم زدهم وزدنا من خيراتك" وما كنت وقتها على علم بمعاني الادعية وفائدتها ولكني كنت اردده ثم اسبح واغوص حول كلماته حتى اظهرت لي الايام عن عظيم معناه وفائدته حيث انه ينزع الغل من الصدور ويجعل النفس تعيش راضية مطمئنة.
وبعد ذلك اجدني اتساءل هل نستطيع ان نعلم ابناءنا ما تعلمناه من الدنيا من قيم واخلاق وواجبات نحو مجتمعنا ووطننا؟ نعم باذن الله تعالى سوف نستطيع، ولكن لا ولا ولن نستطيع ان نأتي شبابا وليس القصد بالفتيان وانما الشباب المتزوج منهم والذي يحمل على عاتقه مسؤولية بيت وزوجة وعدد من الاطفال ثم نطلب منه ان يتحلى بالقناعة والرضى وهو الذي يتقاضى راتبا وقدره الفا ريال او ثلاثة او حتى خمسة الاف فاي رضى واية قناعة تنفع وسط غلاء الاسعار التي تتضاعف خاصة بعد الاعلان عن المكرمة السامية بزيادة الرواتب. ولنأت بورقة وقلم لوضع ميزانية الانفاق لمن كان راتبه خمسة الاف ولنحذف منها جميع الكماليات وندون المصاريف الضرورية فالمسكن المتواضع لا يقل ايجاره شهريا عن الف واربعمائة ريال ثم يأتي بند الغذاء ويشمل ما يحتاج الاطفال من مواد غذائية واولها الحليب أي حليب الرضع وهو الذي لم يسلم من جشع اغلبية التجار في رفع غلاء سعره، ويأتي بعد ذلك العلاج واسعار الكشفيات الطبية، واما سعر الدواء فلا يحتاج الى شرح وتفصيل فاسعاره صارت تنافس اسعار الذهب، ثم التعليم والحمد لله انه مجاني ولا ينقصه سوى اضافة الفصل التمهيدي التي تكلف رسومه لدى المدارس الخاصة مالا يقل عن ثمانمائة ريال شهريا وبدونه يجد اكثر الاطفال صعوبة في اجتياز المراحل الاولى الابتدائية، ومن ضرورة الضروريات تخصيص اجرة سائق يومي حيث ان الموظف مقيد بأوقات دوام عمله فلا يتمكن من توصيل واخذ اطفاله من مدارسهم، وبعد ذلك تاتي بقية بنود الميزانية وهي ايضا من الضروريات مثل فاتورة الكهرباء والهاتف والماء الذي صارت له فاتورتان واحدة للعين والاخرى للوايتات، ثم المصروف اليومي للزوج ومنه البنزنين وتصليح ما يصيب السيارة من خلل ثم مصروف الزوجة وما تحتاجه من مستلزمات ولتكن على اضيق الحدود وكذلك مصروف الاطفال المدرسي ولنترك بند وسائل الترفيه بالنسبة لهذه العائلة جانبا، والنتيجة المؤلمة بعد حصر الميزانية سنجد ان الشاب يضرب كفا بكف ولا حول له ولا قوة، ولست انا التي بجرة قلم تصلح الكون ولكني على يقين تام بان من يقرأ لي من المسؤولين فيهم من هم ارحم مني على مثل هؤلاء الشباب. وفي رأيي ان اكثر ما يحتاجونه بعد متابعة ومراقبة غلاء الاسعار واعتدالها مساكن لائقة ليست بالقروض فمثلهم لا يجب ان يدخل مجالاتها وذلك لان رواتبهم لا تسمح بالادخار لسداد القروض وانما توزع عليهم المساكن كل حسب مكان عمله واقامة معيشته ولتكن اجراءات التوزيع بلا تعقيد ولا مماطلة مثلها مثل اجراءات الضمان الاجتماعي كل من له الحق يثبت احقيته ثم يصرف له الراتب، بارك الله في الضمان والعاملين عليه ولا بارك لكل محتال يأخذ بالكذب والخداع من الضمان او من أي جهة حكومية او اهلية ما لا يستحقه من مساعدة.
المفضلات