[align=center]هذا نصّ خطبة الجمعة التي ألقاها الشيخ عادل بن أحمد باناعمة .. وفيها تتبع مشكورٌ لألوانِ حمايةِ الله لرسولِهِ ، وكفايتِهِ إياه مَن استهزأ به . ولعلك أخي القارئ تصبر على طولها ففيها غنائمُ إن شاء الله
قال كليلةُ : واعلم يادِمنةُ أنَّ من قلةِ عقلِ المرءِ وسوءِ تدبيرِهِ أن يُطاولَ ما لا يقدرُ على مطاولتِهِ ، وأن يُغالبَ ما لا يقدرُ على مغالبتِهِ ، فيكون مثلُهُ في ذلك كمثلِ النملة الحمقاء !

قال دمنةُ : وما مثلُ النملةِ الحمقاءِ ؟

قال كليلةُ : زعموا أنَّ نملةً ساءَها أن تكونَ صغيرةَ الحجمِ ، ضئيلةَ الجرمِ ، تُفزعها وبني جنسها أقدامُ الدوابّ ، وتشرّدها وأخواتِها خطواتُ فيلٍ كان بالجوارِ ، فآلت على نفسها ألا تدع حيلةً و لا وسيلةً تصنعُ بها الهيبةَ لأمةِ النِّمالِ إلا فعلتْها .. ففكرت وقدرت ، وقدّمت وأخرتْ ، فهداها مريضُ تفكيرِها إلى أنّ العلةَ في اجتراء المخلوقاتِ عليهنّ أنهنّ يتفرقن ويتبعثرن إذا ما خطت فوقهن أقدام الفيل الثقيل ! وظنت ـ وبعض الظن إثم ـ أنّها لو اجتمعت مع بنات جنسها فوقفن في وجه الفيل ثم شتمنه بأعلى أصواتهنّ ، وصمدنَ إزاءه ، لتضعضع الفيل وتزعزع ، وكف قدمه وتكعكع .. ثم سلك سبيلاً غير سبيله ، وترك لأمة النمالِ حريّتها الكاملةَ في التعبيرِ والتصرف !!

فمازالت تلك الحمقاءُ حتى تألفت حولها طائفةً من النمالِ ذهبن مذهبها ، وسلمن لها القيادَ ، فلما قدمَ الفيلُ اصطفتِ النمال كما تصطف الجيوشُ ، فما تركن قالةَ سوءٍ ، ولا عبارةَ شتمٍ ، ولا بيتَ هجاءٍ إلا صرخنَ به ملء حناجرهنّ .. فما هو إلا أن أهوى عليهنّ الفيلُ بقدمِهِ فمحقهنّ من الحياةِ .. فلم يسمع شتمهنّ غيرُهنّ .. ولا درى بهجائهنّ سواهنّ .. ومضى الفيلُ لطريقِهِ لم يشعر بما كان !!

هذا مثلٌ استحضرتُهُ وأنا أتابعُ – كما تتابعون – تداعياتِ الفعلةِ الآثمةِ للصحيفة الدانماركية التي تولّتْ كبر الإساءةِ إلى نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ..

قلتُ : هو مثلٌ .. والمثلُ لا يعني المشابهةَ من كل وجهٍ ، وإنما الشاهدُ فيه هلاكُ المرءِ حين يتعرّضُ لما لا قبل له بِهِ .

لقد قرأتُ كما قرأتُم أنّ صحيفةً فرنسيةً أعادتْ نشر الرسومِ الدانماركيّة زاعمةً أنّه يحق لها رسم صور كاريكاتورية لمحمّدٍ ويسوع المسيحِ وبوذا ويهودا ، وأنّ ذلك يندرج تحت بند حرية التعبير في بلد علمانيّ ، وقالت الصحيفة الفرنسيةُ : " لن تعتذر عن إعادة نشرها هذه الرسوم "لأننا أحرار في التحدث والتفكير والاعتقاد، وبما أن هؤلاء ( تقصد المسلمين ) يقدمون أنفسهم على أنهم أساتذة في الإيمان ويجعلون القضية مسألة مبدأ فإنّ علينا أن نكون حازمين " .

ولقد عرفتُ كما عرفتم كذلك أنَّ صحيفة ألمانيةً باءتْ أيضاً بإثم نشرها زاعمةً أنّه لا حصانةَ لأحدٍ عن التهكم في الغرب ، وأنّ صحيفةً سويسرية ناطقةً بالألمانية نشرتْ رسمين منها ، وأن صحيفتين إسبانيتين قامتا كذلك بتكرار النشرِ ، بالإضافة إلى صحيفةٍ مجرية ، وثلاث صحف هولندية ، وتلفاز البي بي سي !

ولقد اطلعت كما لعلكم اطلعتم على أن صحيفة إيطالية ساقطةً بذيئةً صورتِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يأمر مجموعة انتحاريين بالتوقف عن التفجير لأن الجنّة نفد ما بها من مخزون الحور العين !!

ولا أدري إن كنتم قد عرفتم أنّ صحيفةً أردنية نشرت بعض هذه الرسومِ مشفوعةً بفلسفةٍ سمجةٍ باردةٍ لرئيس تحريرها يقول فيها : " يا مسلمي العالم تعقلوا !! أيهما يسيء للإسلام أكثر من الآخر ؟ أجنبي يجتهد في رسم الرسول أم مسلم يتأبط حزاماً ناسفاً ينتحر في حفل عرس في عمان أو أي مكان آخر " !!! وكأننا إذ نشجبُ هذه الرسومات نرحّبُ بتلك التفجيرات !!!
حقيقةً بقدر ما شعرتُ بالغيظ والغضبِ ... شعرتُ بغيرِ قليلٍ من الشفقةِ على هؤلاءِ !!

إنّهم مساكينُ لا يدرونَ من يحاربونَ ولا من يُطاولونَ !!

إنّهم مساكينُ لا يدرونَ بمن يهزؤونَ ولا بمن يسخرون !!

إنّهم مساكينُ لا يدرون أنّ إساءَتهم لا ترتدُّ إلا عليهم ..

وأنّ ألفَ كنّاسٍ لو اجتمعوا في موضعٍ يثيرون الغبارَ بمكانسهم ليحجبوا ضياء الشمسِ لما سقطَ الغبار في النهاية إلا على رؤوسهم .

وأنهم كالنملةِ الحمقاءِ تظنّ أن صراخَها يوقفُ أقدام الفيل ..

هم كمن يشتم الشمسَ والماءَ والهواءَ .. ليس لشتمه من معنى سوى خرفِهِ المطبق ، وهذيانِهِ المحدق !

أو كمن يلعنُ الضياءَ والعافيةَ والربيعَ .. ليس للعنِهِ معنىً سوى أنّه خرجَ عن حدّ العقلِ إلى حدّ الجنونِ .

وسيبقى النهرُ عذباً وإن شتمه ألفُ لسانٍ بأنّه ملحٌ أجاجٌ ..

وستبقى الشمسُ مشرقةً وإنْ زعمَ ألفُ دجالٍ أنها قطعةٌ من سوادٍ حالكٍ .

وسيظلُ المطرُ يبعثُ الحياةَ وإن ادّعى ألفُ دعيٍّ أنّه سمٌّ يتسلل إلى عروقِ النباتاتِ .

إنّ البحر الزاخرَ لا يضرُّهُ أن يلقيَ فيه الغلمان بحصياتِهِم ..

وقد قال الأعشى فيما مضى لما تجـرأ بعض الأراذلِ على هجاءِ قبيلته :

ألست منتهياً عن نحتِ أثلتِنا

ولست ضائرَها ما أطَّتِ الإبلُ

كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهنَها

فلم يضرْها وأوهى قرْنَهُ الوَعِلُ [/align]