عائلتي بخير ،، مقال وطني في الصميم لصالح جريبيع
عندما أستيقظ صباح كل يوم آمناً وادعاً وآخذ ابنتي إلى المدرسة وأتجه إلى عملي مطمئناً عليها وعلى زوجتي وصغيراتي الأخريات في المنزل..ثم أعود من جديد لعائلتي الصغيرة..ولا يشغل بالي ذلك الوقت سوى نوع الغداء الذي أعدته لنا ( المدام )..أتذكر الدكتور(…..)أستاذ الجامعة الليبي..الذي التقيته في سوسة بتونس صيف 2016 وهو يقف في الطابور من الصباح الباكر أمام جهاز الصراف الآلي ليستطيع سحب 40 ديناراً تونسياً فقط في اليوم من رصيده..وفي ساعة واحدة محددة من البنك المركزي الليبي من التاسعة إلى العاشرة صباحاً..أتذكره وهو يقول لي:ماذا نفعل بأربعين ديناراً يا صالح..كيف نستطيع العيش..كيف ندفع الكراء..كيف نعلم أبناءنا..كيف نحافظ على صحتهم؟!..لدينا الأموال..لدينا الأرصدة في البنوك..بأسمائنا..ولكننا لا نملكها في الحقيقة..في عهد القذافي على الأقل كنا نعيش في منازلنا..كنا نعلم أبناءنا..كنا نقود سياراتنا..كنا نقبض رواتبنا..أما اليوم فانظر كيف أصبحنا مشردين.
أتذكر أصدقائي التونسيين الذين التقيت بالعديد منهم أثناء ذلك الصيف..والذين أجمعوا بأنه على الأقل كانت (الخدمة) موجودة في عهد ابن علي..كان الأمن موجوداً..كانت السياحة مزدهرة..كل شيء كان مزدهراً..كل ( العباد ) كانوا ( يخدموا )..وليس كما هو الحال الآن..يذهب التونسي إلى الموت عبر البحر ليصل في رحلة مجهولة العواقب إلى أوروبا عله يحظى بالقليل..القليل فقط..وبعضهم يصبح لقمة سائغة في يد الأشرار فيتم التغرير به لينضم إلى الجماعات الإرهابية من أجل بضع دولارات يستطيع إرسالها إلى صغاره.
لقد وصفت حال تونس في ذلك الوقت بأنها ( بئر معطلة وقصر مشيد)..الفنادق والمنتجعات قائمة لكنها خاوية..الشباب مؤهلون ومستعدون للعمل لكن ما من خدمة..كل شيء في تونس كان مشيداً وجاهزاً ولكنه كان معطلاً ومهملاً.
أتذكر جاري السوري..الذي يسكن في نفس العمارة التي أسكنها..وعائلته مشتتة وموزعة ما بين المخيمات وبين تركيا وجدة وألمانيا..أتذكره وهو يكافح فقط فقط ليجمعهم في مكان واحد..وأتذكر ذلك الفقير السوري الذي كانت طاولة طعامه عامرة بالخضار والفواكه مهما بلغت درجة فقره..ثم أراه بعد سنوات وهو يقف في صف طويل في أحد المخيمات ليحظى بحفنة برغل..أتذكر أطفال سوريا الذين كانت تخشى عليهم أمهاتهم من مجرد ذرات التراب واليوم يتمرغون في وحل المخيمات وأوساخها وأمراضها وجهلها.
أتذكر العراق العظيم..الذي كان يقود الأمة العربية في التعليم والوعي والصناعات والآداب..وكيف أصبح عراقاً يستجر الخرافات والأساطير..ويتنفس العنصرية والطائفية..ويتجرع مرارة الجهل..أتذكر البصرة..أتذكر الكوفة..أتذكر علماء النحو والصرف وتلك المدرستين العظيمتين اللتين اختلفتا حول لغة العرب..ثم أصبحتا اليوم تتحدثان لغة الفرس.
أما مصر ( أم الدنيا ) التي أغرت شبابها نسائم الوعود بربيع زائف..فضحى شبابها ببطل عربي قومي..ليأتي جبناء الأخوان فيرثون ثورتهم ويخطفونها من بين أيديهم..حتى كادوا أن يلقوا بمصر وأهل مصر إلى التهلكة..ثيران السياسة الذين لا يقبلون غير حزبهم ولا غير ملتهم..ولديهم الاستعداد لبيع كل شيء وتقسيم كل شيء مقابل البقاء على كرسي الحكم..لولا أن أنقذ الله مصر بقائد آخر انتزع مصر من براثنهم..ويعمل إلى اليوم على إصلاح ما أفسدوه..ويسعى لتخليص مصر من إرهابهم ومن عارهم..ويعالج الحال المتردية التي أوصلوا الشعب المصري إليها.
نعم أنا بخير..وعائلتي بخير..وأعلم علم اليقين أن الأعداء حتى وإن هادنوا..حتى وإن أظهروا الصداقة..حتى وإن ربطتهم بنا المصالح..فإنهم دائماً سيبقون جذوة نارهم تحت رماد الوقت لينفخوا فيها متى ما أرادوا..وسيبقون على أوراق اللعبة بأيديهم ويكنزون الخونة سهاماً يطعنون بها ظهورنا عندما يرغبون..ويدسون بين عظامنا وجلودنا عملاءهم ليينخروا بهم أجسادنا عندما تحين ساعة مكرهم.
نعم أنا بخير..وعائلتي بخير..ولكنني لن أصدق في يوم من الأيام أن الليث يبتسم..ولن أفرط في يوم من الأيام في رملة واحدة من رمال هذه الصحراء..سأسقيها بدمي..وسأضع رقبتي رهن إشارتها..سأدافع عنها وعن حكامها حتى آخر ثانية من حياتي..ولن تغويني ولن تغريني كل الشعارات البراقة.. ولن تنجرف قدمي إلى ساحات الثورات القاتلة..القاتلة للأمن والاستقرار والخير والرفاه..القاتلة لوحدة الأوطان.. القاتلة لكرامة الإنسان ..فأنا واعٍ..أنا( مصحصح )..أنا سعودي..وأعلم أن هذا الكيان العظيم ( السعودية ) لم ينبت هكذا صدفة..ولم تخلقه لنا أيادي الخبث والاستعمار.. بل نحن صنعناه بأيدينا .. بتضحياتنا.. بعرقنا.. بدمائنا.. بعلمنا.. بوعينا.. عندما ترك العالم صحراءه التي لم تحرق شمسها سوى جلودنا .. ولم يلفح زمهريرها سوى وجوهنا .. واليوم بعد أن أصبح طوداً وسناماً سنحافظ عليه مثلما نحافظ على بيوتنا..مثلما نحافظ على صغارنا.
نعم أنا بخير..وسأفعل كل شيء..وسأضحي بكل شيء ليكون وطني بخير..لتكون عائلتي بخير.
المفضلات