هناك مثل عامي شائع يقول: «الذي يستحي من بنت عمّه ما يجيه ولد»، واعتقد أن هذا المثل استنتجوه أو ضربوه عندما تزوج أحدهم من ابنة عمه وظل بعيداً عنها ولا يقترب منها من شدّة الكسوف.
وسبق لي أن قرأت في مذكرات أحد الأزواج أنه يقول: «ظللت وزوجتي ندعو بعد كل صلاة أن يرزقنا الله أطفالاً، حتى اكتشفنا أن إنجابهم لا يتم بهذه الطريقة، ومذ ذاك صار لدينا خمسة أطفال».
وهذا صحيح، فلا بد من السبب، ولا بد من الفعل لكي تكون النتيجة، ولا بأس من الدعاء كذلك، لأنه يجلب البركة.. إلاّ إذا كان كسوف الزوج ككسوف ذلك الذي تزوج ابنة عمه، فعند ذلك يحق له أن يستعمل الأنابيب، وإذا كان كسوفه «أشد وأدهى»، فما عليه إلاّ أن يستنسخ مولوده من خلية يستخلصونها من جلده، ثم يلقحونها منه، فيصبح بذلك الأب والأم معاً، وبعدها يكون لحمرة الكسوف على خدّه معنى وطعامة.
وذكر لي أحدهم ولا أدري مدى صدقه من مبالغته، انه ذهب لزيارة مسن قريب له في أحد المستشفيات، وكان عمره في منتصف التسعينات، وهو أعمى تماماً، ومضى على مكوثه في المستشفى ما يزيد على سنتين: «بينما كنت جالساً أمام سريره، إذ دخلت علينا ممرضة شابة، وأخذت يده بين يديها وقالت: جئت أودعك يا سيدي، إذ لن أعمل هنا بعد اليوم، لأنني سألد طفلاً عما قريب».
وبعد أن ران الصمت قليلاً على المكان: «لوى (الشايب العايب) فمه مبتسماً ابتسامة خبيثة، وقال لها: حسناً، لكن لا تلوميني، فلست أنا السبب».
نظرت إليه الممرضة وقد ارتفع حاجباها استغراباً من كلامه، ثم ابتسمت وأخذت تهز رأسها إعجاباً بسرعة بديهته اللاذعة، وخرجت وهي (تتقصوع).
هذا العجوز الذي صقلته الأيام والأعوام، لا اعتقد أن في مهجته ذرّة من كسوف، تماماً كبعض قراء هذا الكلام الآن.
والحمد لله أنني أتمتع بنوع من الكسوف النادر، الذي يقلب الأمور تقليباً، ويجسّها جسّاً ويزنها وزناً، ويضع بينه وبينها حجابا شفافا من الأحلام والأماني، وبعد أن أفعل ذلك كله، أذهب إلى فراشي وحيداً لأنام.
المفضلات