البيانات (التطمينية) لم تعد مجدية:




د. طلال صديق فاضل
لعلي لا أجاوز قدري ان جأرت لأسمع صوت المواطن الذي أصبح يئن تحت وطأة الحمى التي أصابت أسعار السلع الاستهلاكية وليس هناك ما يشير إلى ما ينتهي إليه ذلك السراب. وأكاد أجزم أنني لست في حاجة إلى ما استند إليه من أرقام أو نسب مئوية فقد استشرى الداء وسرى في جسد المجتمع حتى أكل أخضر المواطن ويابسه بل لامس حاجة المواطن في غذائه وفي كسائه وفي مركبه وسكنه فشمل المنتجات المحلية والمستوردة على حد سواء واستهدف أيضاً المستهلكات المصنعة محلياً من بطاريات السيارات إلى المناديل الورقية وما إلى ذلك مما لا يستغني عنه المواطن في حاجته اليومية والدائمة فأصبحت الزيادة في الأسعار في تنامٍ غير مسبوق أو مبرر.
وأنا لا أصدق ان العولمة هي الوصمة التي يتصف بها هذا الجنون، لأنه وبشهادة بعض الباحثين الذين تمت استضافتهم قبل فترة وجيزة في الفضائيات السعودية قد اثبتوا غلو الأسعار في المملكة بالمقارنة بمعظم دول الخليج المجاورة مم ينفي الأسباب الخارجية في شطط أسعار المواد الاستهلاكية والغذائية منها على وجه الخصوص.

ولم أعد أيضاً أثق في ما خلص إليه بعض تجار المملكة، عندما سئلوا عن دواعي تفاقم الأسعار فعزوا ذلك إلى جشع التجار في البلاد التي نستورد منها المواد الاستهلاكية الأساسية: مثل الأرز، فالتاجر لدينا والذي هو الخصم، قد نصبناه ليصبح حكماً وكيف إذاً نفسر تنامي أسعار المواد الاستهلاكية المصنعة محلياً مثل: العصيرات ومشتقات الألبان وكذلك أطباق البيض والدجاج وكيف نفسر أيضاً هذه الظاهرة عندما اقترح البعض من ذوي الأفكار النيرة ان يلجأ المواطن إلى البدائل الغذائية المنتجة محلياً مثل: التمور وعندما فعل اشتدت حمى أسعار التمور وأنا لا أصدق أيضاً من عزا جنون أسعار السلع إلى عدوى أصابت المملكة من جنون أسعار البترول العالمية واضطراب صرف العملات، فإن ذلك بلا شك سبب جزئي في الداء الذي بين أيدينا. فلو كان هذا دافعاً مطلقاً، لكان بمثابة العقاب الذي أصاب المواطن، والذي من حيث المصلحة، لا ناقة له فيها ولا جمل. فأصبح يكتوي بنار الجشع الذي افتعله التاجر المحلي وكذا سماسرة التجارة العالمية، الذين طمعوا جميعاً في مداخيل السلع النفطية والتي هي في الحقيقة تخص الدول المنتجة بشكل مباشر دون المواطن.

وأياً كانت الأسباب والدوافع فلم يعد يخفى على كل ذي لب بأن داء الأسعار قد استفحل في المجتمع فمس المواطن في عمقه وأصبح ذا بال وأصبح لزاماً علينا التدخل المباشر لنصرة المواطن من مبدأ حقه في النصرة وليس من منطلق العطف والمواساة ولم يعد هناك درهم وقت نصرفه هباء لتنميق البيانات الصحفية أو الظهور على الهواء لادلاء التصريحات التلفزيونية ذات الطابع السلبي، فلقد بلغ ا لسيل الزبى والأمر جد خطير، فجنون الأسعار هو الداء. أو ليس لكل داء دواء. وبالمقابل فنحن نتساءل عن غياب الدور الايجابي لوزارة التجارة وإدارات حماية المستهلك ونتساءل أيضاً عمن هو مخول في البحث في عمق المشكلة للوصول إلى الحل الأمثل وفي عودة الأسعار إلى ما كانت عليه سابقاً وليس للابقاء على ما وصلت إليه الحال، بل ومحاسبة من سولت له نفسه بالتلاعب في أقوات الناس وتمزيق أكبادهم قبل جيوبهم. ونهيب أيضاً بتفعيل الأدوار الايجابية للمجالس البلدية ومجلس الشورى الموقر لإعادة مناقشة عمق الكارثة التي أصابت المواطن في مقتل، كما فعلت جائحة الأسهم. ونحن نهيب أيضاً بالخطاب الديني الرصين والذي عرف به علماؤنا الأجلاء، في تذكير التجار بوخيمة الاحتكار وغلاء الأسعار وان لهم الأسوة الحسنة في تاريخنا الإسلامي التليد وفي التآخي والرأفة التي أتصف بهما عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف رضوان الله عليهما. ولعله أصبح الآن لزاماً ان ينظر في إنشاء وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني والمتعلقة بحماية المستهلك بشكل خاص ورعاية حقوق المواطن في العيش الكريم على وجه العموم ومن ثم اضفاء صفة الشرعية على تلك المؤسسات التي تشكل المجتمع السوي، وذلك بربطها المباشر في بادئ الأمر على أقل تقدير، بأعلى السلطات التنفيذية في وطننا الحبيب، حتى يشتد عودها ونضمن بقاءها لخدمة المواطن وتنمية المجتمع.