آداب إسلامية


أولاً : التحية في الإسلام



السلام.. تحية الإسلام:



يقول صلي الله عليه وسلم في المسلم يقابل المسلم : (( إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه)). فالسلام هو التحية التي أنزلها الله علي رسوله صلي الله عليه وسلم وهي تحية أهل الجنة. قال تعالي: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلام)(الأحزاب: الآية44). وهي التحية التي رضيها الله ورسوله صلي الله عليه وسلم لأتباعه وأمته من بعده، ولا يجوز للمسلم أن يستبدل بتحية الإسلام غيرها من تحايا الأمم الأخرى، لا بصباح الخير، ولا أهلاً وسهلاً، ولا أنعم صباحاً، ولا غير ذلك. قال عمران بن حصين كنا في الجاهلية نقول: أنعم الله بك عينا، وأنعم صباحاً ، فلما كان الإسلام نهينا عن ذلك.

وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان، قال: كانوا في الجاهلية يقولون : حييت مساءً، حييت صباحاً، فغير الله ذلك بالسلام.

إذن فلابد أن يبدأ المسلم بهذه التحية العظيمة ، بالسلام الشرعي السني الموروث عنه عليه الصلاة والسلام.

قال الله ـ عز وجل ـ : (َإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً) (النساء:86)

((بِأَحْسَنَ مِنْهَا)) : أي تزيد علي تحية، فإذا قال : السلام عليكم ورحمة الله فقل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أو بمثلها بأن تقول: وعليكم السلام ورحمة الله.

وعند أبي داود والترمذي بسند صحيح عن عمران بن حصين؛ أن رجلاً جاء إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه ثم جلس . فقال النبي صلي الله عليه وسلم (( عشر)) ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، فجلس فقال: (( عشرون)) ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فقال (( ثلاثون)) . أي ثلاثون حسنة لمن أدي التحية بتمامها.

هذه تعاليمه عليه الصلاة والسلام، وهذا هديه في تعليم أصحابه، انظر كيف يحبب السنة إلي قلوب أصحابه عن طريق إبلاغهم بالأجر العظيم الذي ينتظرهم من الله الواحد الأحد، إذا هم طبقوا تعاليمه وساروا علي هديه.



2-علي من نسلم؟!



ورد عند البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رجلاً سأل النبي صلي الله عليه وسلم : أي الإسلام خير؟ قال : (( نطعم الطعام، وتقرأ السلام علي من عرفت ومن لم تعرف)).

وهذا أيضاً هدي إسلامي نبوي شريف؛ أن تسلم علي من عرفت من المسلمين ومن لم تعرف!! قال بعض السلف: أصبح السلام عند المتأخرين علي المعرفة، وهذه من علامات الساعة، فالواجب علي المسلم أن يفشي السلام بين الناس؛ من عرف ومن لم يعرف خلا أهل الكتاب، خلا المشركين، خلا الوثنين، فالمسلم هو المقصود بهذا الحديث وغيره من الأحاديث التي تبين حقوق الناس بعضهم علي بعض. فإذا كان الإنسان يعيش في المجتمعات الإسلامية، فإنه يطلب منه لإفشاء السلام علي من لقيه، سواء عرفه وكان صديقاً أو قريباً، أم لم يعرفه.

ومن الملاحظات الاجتماعية أننا نسلم الآن علي المعرفة فقط! وتري الناس في الطرقات لا يسلمون إلا علي من عرفوه! أما من لم يعرفوه فلا يسلمون عليه! وهذا من عمل الجاهلية، وهو مخالف لسنته عليه الصلاة والسلام، ففي الصحيحين أن آدم لما خلقه الله قال: (( اذهب فسلم علي أولئك النفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحبونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فذهب فقال : السلام عليكم. فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله)) .

هذه هي تحية آدم، وتحية ذريته، وتحية أهل الجنة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنا حتى تحابوا، أولا أدلكم علي شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)).

فبين عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن الجنة لا تدخل إلا بالأيمان ، وان الإيمان لا يحصل إلا بالحب، وان الحب لا يحصل إلا بإفشاء السلام.

وإفشاء السلام يزيل الضغينة من القلوب خاصة بين الأقارب والجيران. ومعناه في الإسلام أنك ترفع رايتك البيضاء المسالمة، كأنك تقول: أتيت ارفع رايتي البيضاء، فامنوني ولا تتهيبوا مني.

وهذا هو شعار المحبة والود الذي أقامه رسولنا صلي الله عليه وسلم وحث علي إرسائه وتثبيته في قلوب أصحابه وأمته من بعده.

وعند البخاري موقوفاً علي عمار بن ياسر رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (( ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار)). وبذل السلام للعالم هنا يتضمن تواضع العبد، وأنه لا يتكبر علي أحد، بل يبذل السلام للصغير والكبير،والشريف والوضيع، ومن يعرفه ومن لا يعرفه، والمتكبر ضد هذا ، فإنه لا يرد السلام علي كل من سلم عليه كبراً منه وتهياً، فكيف يبذل السلام لكل واحد؟!.

وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن الرسول صلي الله عليه وسلم مر علي غلمان فسلم عليهم.

وهذا من شدة تواضعه ولينه ورحمته صلي الله عليه وسلم ، وهو بذلك يدخل أعظم البهجة علي نفوس هؤلاء الصغار، لأنهم سوف يتشرفون بسلام رسول الله صلي الله عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ ليه وسلم عليهم، وسوف يحكون ذلك في المجالس.

فعلي المسلم أن يتواضع لمثل هؤلاء، ولا يتجاهلهم لأنهم صغار، بل يتفقدهم، وسلامه عليهم يعلمهم بذلك الحب، ويدفعهم إلي مكارم الأخلاق.

وقد رأينا في السيرة أن عمر رضي الله عنه علي هيبته وقوته في الحق كان إذا مر الصبيان وقف وسلم عليهم، ومازحهم، وهو خليفة المسلمين!!.

وقد مر علي صبيان المدينة وهم يلعبون، فعندما رأوه وسمعوا جلجلته وهيلمانه وسلطانه فروا إلي بيوتهم.

الشياطين تفر من عمر فكيف الصبيان؟!!

كيف بالصبيان الذين قلوبهم كقلوب الطير، أما يفرون من إنسان أصاب قياصرة الدنيا باليأس، وأكاسرة المعمورة بالذهول؟!

ففروا جميعا إلا عبد الله بن الزبير، فإنه لم يفر، كان شاباً صغيراً. فقال له عمر يمازحه: فر أصحابك ولم تفر أنت، أما خفت؟

قال عبد الله : ما فعلت جرما ًفأخافك، وليست الطريق ضيقة فأوسع لك!

فاستدل علي ذكائه وشجاعته من تلك اللحظة، وكيف لا يكون ذكياً وأبوه الزبير بن العوام، وأمه أسماء رضي الله عنهم جميعاً؟! )ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (آل عمران:34)

3-أمانة تحمل السلام وتبليغه:



كان صلي الله عليه وسلم يسلم بنفسه علي من يواجهه، ويحمل السلام لمن يريد السلام عليه من الغائبين ، كما ثبت أنه صلي الله عليه وسلم بعث فتي إلي رجل مريض، فلما أتاه قال: إن رسول الله صلي الله عليه وسلم يقرئك السلام ... الحديث.

وكان صلي الله عليه وسلم يتحمل السلام لمن يبلغه إليه، فعند البخاري ومسلم أن جبريل عليه السلام نزل من السماء، فأتت خديجة رضي الله عنها، فقال جبريل عليه السلام : (( يا رسول الله، هذه خديجة أتتك بالطعام فأقرأ عليها السلام من ربها، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب))

وقد بلغ كذلك صلي الله عليه وسلم السلام لعائشة أم المؤمنين من جبريل (متفق عليه).

وينتهي السلام علي الصحيح عند قول(( وبركاته)) كما روي ذلك أبو داود والترمزي بسند قوي، وقد زاد بعضهم (( ومغفرته)). ولكن هذه الزيادة ضعيفة، ذكرها أبو داود في حديث لا يثبت.

وكان عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري والترمزي والحاكم عن أنس أنه إذا سلم ثلاثاً ، ولعل هذا كان هدية صلي الله عليه وسلم في السلام علي الجمع الكثير الذين لا يبلغهم سلام واحد، إن ظن أن الأول لم يحصل به الإسماع ، كما بينت ذلك رواية الحاكم



وقد ورد في السنة: أن الرسول صلي الله عليه وسلم ذهب يزور سعد بن عبادة ، فأتى الباب فقال: (( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فسمعه سعد فرد في نفسه ، ولم يرفع صوته! فذهب صلي الله عليه وسلم فلحقه سعد بن عبادة، وقال ك يا رسول الله، والله ما سلمت من سلام إلا سمعتك، وقد رددت في نفسي، لكن أردت أن تزيدنا من السلام، فقال عليه الصلاة والسلام: السلام عليكم أهل البيت ورحمته، إنه حميد مجيد)).