بسم الله الرحمن الرحيم
معجم معالم قبيلة جُهَينة القديمة والحديثة :
الحمد لله ذي المعاد , الذي رفع السماء بلا عماد , وبسط الأرض تحتها كالمهاد , وأثبتها بالراسيات الجبال كالأوتاد , والصلاة والسلام على نبي الحشر والمعاد , خير من وطئ البلاد , ونطق بفصيح الضاد , عليه وعلى آله في كل سهل وواد , أزكى صلاة وسلام إلى يوم التناد .
وبعد :
هذا كتاب معجمي جغرافي مختصر يختص بمعالم وديار قبيلة جهينة , ويبحث في منازلها وأرضها في الجاهلية والإسلام وذلك بالرجوع إلى كتب البلدان , والدواوين , والرحلات , والمعاجم , والتاريخ , والأنساب , والأدب , قديمها وحديثها , وفيه استدراكات وإضافات وتصحيحات لما وقع فيه المؤلفون السابقون واللاحقون من أخطأ شنيعة , وأضفت إليه ما لدي من حصيلة المشاهدات والرحلات والمعرفة بتلك المنازل والديار , وقد أجتمع لدي بحمد الله عدد لا بأس به من أسماء تلك المواضع والديار فقمت بتوضيح كل موضع وبيان حدوده وصفة موضعه وبيان أسماء أوديته , وآباره , ومناهله , وجباله , وبيان تحديده من حيث الطول والعرض , وبعد ذلك أحببت أن أقوم بجمعها وتدوينها في مؤلف خاص علها تكون نواة لمعجم شامل لكل ما يختص بقبيلة جُهينة من حيث , مدنها , وقراها , وهجرها , وجبالها , وحممها , وأوديتها , وسهولها , وآبارها , ومواردها , وعيونها , ومناهلها , وكذلك يوجد في معجمنا هذا على اختصاره الكثير من الزيادات والاستدراكات على ما كتبه السابقون واللاحقون , بل وفيه عدد كبير من مواضع جهينة وديارها تذكر لأول مرةٍ والتي تشمل مناطق شاسعة وذلك من شمال أملج إلى مصب وادي الحمض " إضم " بقرب منطقة الوجه شمالاً , ومن مصب الوادي في البحر الأحمر إلى ذي المروة " المارامية " ثم إلى العيص وهذه المساحات الشاسعة أهملها وجهلها الكثير من السابقين واللاحقين ممن كتبوا عن المنازل والديار , فمن اللاحقين عاتق البلادي في معجمه الضخم " معجم معالم الحجاز " والواقع في عشرة أجزاء , فإن قمت بالبحث بين اجزاء معالم الحجاز وصفحاته لا تجد ذكراً لتلك المواضع , وتنبع أهمية كتابنا هذا أن يذكر مواضع لم يذكرها السابقون , وقد وقفت على كثير منها وذكرت حدودها وصفتها وبيان القبائل التي تستوطنها والتي تذكر لأول مرة , فبحسب علمي هو أول معجم جغرافي يتناول موضوعه منازل قبيلة جهينة قديمها وحديثها .
وأما قبيلة جهينة فهم بحمد الله لا يزال أبنائها يسكنون بأرضهم ومنازلهم القديمة من قبل الإسلام وإلى اليوم , وهي الحجاز وتهامة وما حولهما , كما أنه مع تحضر كثير من أبنائها اليوم إلا أن غالبيتهم مع سكناهم المدن والقرى وتعلمهم في المدارس والجامعات إلا أنه لا تزال مظاهر البداوة العربية الأصيلة في كثير منهم , ولا زلت أذكر أثر أحد أبنائها وروادها ومفكريها الكبار إنه نسابة وباحث جهينة الأول عبد الله المرواني الجهني - رحمة الله - في تحفته الثمينة والنادرة كتاب " الأمجاد البادية من عرب البادية " , حين يذكر أثر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ووصيته لخليفته عثمان عند وفاته حين قال له : ( أكرموا عرب البادية , فإنهم مادة الإسلام , وأصل العرب , ولا تجهلونهم , حتى لا يحتقروا أنفسهم .. ) .
وقبيلة جهينة من أكبر القبائل العربية المهيمنة على الحجاز , قبل البعثة النبوية وبخاصة على الأنحاء الغربية للحجاز , من المدينة حتى ساحل البحر ، فكانت منازلها ومناطق نفوذها ممتدة من المدينة , فينبع , والعيص , وذي المروة ( المارامية ) , وجبال الأشعر , والأجرد ، وقدس , وصندد , وآره ، ورضوى ، وذا خشب , وانتشروا كثيرا في تلك الأودية والشعاب ، واستوطنوا بطن وادي الحمض " إضم " على طوله حتى مصبه في البحر الأحمر , ونزلوا بواطاً ، وبدراً ، وقرى الصفراء بجميعها , وودان ، والحوراء ، وامتدوا بمحاذاة ساحل البحر الأحمر حتى بلغوا الوجه وضباء ، إلى أن بلغت منازلهم حقل , ثم بعد ذلك تقلصت بعض الشيء حدود أراضهم وذلك بسبب انضمام كثير من أبنائها إلى جيوش الفتوحات الإسلامية في العراق والشام ومصر وهجرة كثير منهم بعد ذلك إلى الشام والعراق ومصر ونزولهم بها , وأما اليوم فغالبية منازلهم بالحجاز , وهذه المنازل والديار هي ما سنستعرضها بالبحث في كتابنا هذا باختصار .
وما السبب الذي دفعني إلى نشر هذه الفصول التاريخية عن معالم ومنازل قبيلة جهينة , فهي عدة أمور قد يكون من أهمها مطالبة وتشوق كثير من أبناء جهينة الكرام إلى معرفة شي من تاريخهم المجيد وحاضرهم التليد ومنازل ومواضع ديارهم , فلعلها تكون مقدمة لتاريخ جهينة الكبير الذي سيدون بمداد من نور تاريخ جهينة وأنسابهم وأعلامهم ورموزهم وفضائلهم ومنازلهم , فقمت بذلك استجابة لهم ونزولاً عند رغباتهم وتحقيقاً لمطالبهم , وثانياً : قلة ما كتب عن تاريخها ومنازلها اليوم , بل وندرة الكتب التي تحدثت عن تاريخ هذه القبيلة .
وحقيقة الأمر أعلم أنه سوف يفوتني كثير من تلك الديار , وذلك لأسباب عديدة يمكن إجمالها في قلة المصادر الحاضرة التي أفردت للكتابة عن تاريخ هذه القبيلة ومنازلها , بل أجزم أنني مع شدة البحث والتحري والتدقيق لم أطلع إلا على بعض الكتب القليلة : كـ ( تاريخ جهينة ) للخطيب وهو صغير الحجم جدا لم يتطرق فيه مؤلفة إلى منازل وديار القبيلة , والثاني هو ملحق ( بلاد ينبع ) تأليف : المؤرخ الحجة بحاثة الجزيرة حمد الجاسر - صب الله عليه شآبيب الرحمة - وتعرض فيه فقط لجغرافية ومواضع القبيلة القديمة ولم يتطرق لا من قريب ولا من بعيد إلى المواضع والمنازل الحديثة , وهو كتاب صغير الحجم جداً يقع بحدود 40 ورقة , ولكنه نافع ومهم لا يستغنى عنه أي باحث في تاريخ المنطقة , وقد فاته الكثير من المواضع وسيأتي معنا استدراك ما فاته , ويضاف إليها أيضا كتاب : ( العيص ) للأستاذ معتاد بن عبيد السناني الجهني , وهو ثمين وقيم ونادر من أفضل ما أطلعت عليه , ومما زاد من أهميته أن صاحبه من أهل المنطقة وكذلك سؤاله لكبار السن من رجالات جهينة ومشايخها , وهذا هو الفعل الصحيح والأثبت في الكتابة عن الأنساب والجغرافيا , وذلك مصداقاً لقول أهل البادية : ( ما حك جلدك مثل ظفرك ) , ولكنه يعد أيضاً محصوراً في منطقة العيص وجغرافيتها .
وأما الطريقة والمنهجية التي سوف نتبعها في هذه الكتاب , فهي تقوم على الاختصار ما أمكن وعدم التوسع , إلا في بعض المواضع التي تحتاج إلى مزيد توضيح وقد يلاحظ القارئ الكريم ذلك كما سيأتي معنا , كما أنني لن ألتزم بالكتابة على حروف المعجم أو على أي طريقة أخرى إنما أترك ذلك لما يهديني إليه اختياري بحسب الأهمية ,
أما بخصوص الحقوق الفكرية للنشر , فهي محفوظة للمؤلف وأتمنى ممن سيقتبس أو سينقل شي من هذه المواضيع التاريخية والجغرافية أن يكون أميناً في النقل وأن يعزو إلى المصدر الذي أقتبس ونقل منه , وذلك من باب التعاون على البر والتقوى وحفاظاً على الحقوق الفكرية والتزاماً بالأمانة العلمية والدينية .
وختاماً أنا إذ أدون بكتابي هذا بعض من تاريخ هذه القبيلة لا أريد من وراء ذلك جزاءاً ولا شكوراً , ولا متاجرة ومرابحة فتاريخ جهينة أكرم من أن أجعله عرضة لذلك , إنما يكفيني شرفاً خدمة هذه القبيلة وأبنائها وذلك بكتابة صفحات من تاريخها العظيم , وأتمنى من الله العلي القدير أن أكمل وضع حلقات هذا المعجم الجغرافي , وأن لا تضطرني الظروف إلى التوقف عن إكماله , حيث أنه عمل ومجهود فردي عرضة للخطأ والصواب ولا أدعي له الكمال ولا الشمولية , ولكن كما قيل : ما لا يدرك جله لا يترك كله , فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمني والشيطان وأستغفر الله عنه , والسعيد من عدت غلطاته وما اشتدت سقطاته ! .
والله من وراء القصد .
حرر بقلم مؤلفه : ابن غنيم المرواني الجهني .
الموافق : ليوم عرفة التاسع من شهر ذي الحجة من السنة الثامنة والعشرون بعد الأربعمائة والألف من الهجرة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم .
المفضلات