بسم الله الرحمن الرحيم
قصيدتان للشاعر الكبير صلاح عبد الصبور
مرثية رجل تافه
مضت حياته .. كما مضت
ذليلة موطأة
كأنها تراب مقبرة
وكان موته الغريب باهتاً مباغتا
منتظراً , مفاجأة
(الميتة المكررة)
كان بلا أهل , بلا صحاب
فلم يشارك صاحباً حين الصبا لهو الصبا
ليحفظ الوداد في الشباب
كان وحيداً نازفاً كعابر السحاب
وشائعاً كما الذباب
وكنت أعرفه
أراه كلما رسا بي الصباح في بحيرة العذاب
أجمع في الجراب
بضع لقيمات تناثرت على شطوطها التراب
ألقى بها الصبيان للدجاج والكلاب
وكنت إن تركت لقمة أنفتُ أن المها
يلقطها , يمسحها في كمه ,
يبوسها, يأكلها
"في عالم كالعالم الذي نعيش فيه
تعشى عيون التافهين عن وساخة الطعام والشراب"
وتسألونني: أكان صاحبي؟
وكيف صحبة تقوم بين راحلين
إذن لماذا حينما نعا الناعي إلىّ نعيه
بكيته
وزارني حزني الغريب ليلتين
ثمّ رثيته ؟
مرثية رجل عظيم
كان يريد أن يرى النظام في الفوضى,
وأن يرى الجمال في النظام
وكان نادر الكلام
كأنه يبصر بين كل لفظتين
أكذوبة ميتة يخاف أن يبعثها كلامه
ناشرة الفودين , مرخاة الزمام
وكان في المساء يطيل صحبة النجوم
ليبصر الخيط الذي يلمها
مختبئاً خلف الغيوم
ثم ينادى قبل أن ينام:
الله , هب لي المقلة التي ترى
خلف تشتت الشكول والصور
تغير الألوان والظلال
خلف اشتباه الوهم والمجاز والخيال
وخلف ما تسدله الشمس على الدنيا
وما ينسجه القمر
حقائق الأشياء والأحوال
وتسألونني: أكان صاحبي ؟
هل صحبةٌ تقوم بين سيد عظيم
وخادم محتال؟
المفضلات