أهلا وسهلا بك إلى المجالس الينبعاويه.
النتائج 1 إلى 12 من 94

مشاهدة المواضيع

  1. #11
    تاريخ التسجيل
    Jun 2004
    الدولة
    القاهرة
    المشاركات
    195
    معدل تقييم المستوى
    21

    عناصر التخييل فى الشعر العربي

    [B][SIZE=5]
    مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 95 - السنة الرابعة والعشرون - أيلول 2004 - رجب 1425


    Updated: Tuesday, October 12, 2004 01:43 AM

    فهرس العدد


    عناصر التخييل في الشعر العربي أبو العتاهية نموذجاً ـــ د.ميسون شوا(*)

    الملخص:

    يتناول هذا البحث العناصر التي يعتمد عليها الشعراء في تخييلهم، فبدأ أولاً بتعريف التخييل لغة واصطلاحاً، منطلقاً إلى بحث عناصر التخييل وهي أربعة: التجسيم والتجسيد، والإيماء والإيحاء، والمبالغة والتوسع، والاختراع والإبداع، وقد أظهر معانيها اللغوية والاصطلاحية ثم دراستها عند النقاد والبلاغيين، وتطبيق هذا على بعض شعر أبي العتاهية الشاعر العباسي المعروف منتهياً إلى خاتمة توجز النتائج وتلخصها وتبين أن التخييل لا بد له من اعتماد تلك العناصر الهامة.

    المقدمة:

    يعد التخييل ملكة أدبية تعين الأديب عامة والشاعر خاصة على تأليف الصور وتشكيلها بعد مزجها بعواطفه ومشاعره وأحاسيسه([1])، وتجعله يرى الأشياء في الطبيعة والواقع المحيط به أكثر وضوحاً وحدة وصفاء([2]).

    وهو يغطي أحياناً ما في اللغة من قصور ونقص، لما يعطي مفرداتها من توسع وزيادة في معانيها بالجمع بين المتباعدات والمتنافرات بخلق علاقات بينها مناسبة تؤلف بينها وتجعلها كأنها من عالم واحد([3]).

    ويدل هذا المصطلح في أصله اللغوي على معنى الظن والتشبيه وتعدد الاحتمالات والوهم والإشكال وعدم التأكد من صحة الشيء على وجه الدقة واليقين([4]).

    وهو مصطلح فلسفي أخذ عن أفلاطون وأرسطو. ويدل في حقل الأدب والشعر والنقد على الصور الحسية في الذهن([5])، ويعبر عن ((فاعلية الشعر وخصائصه النوعية، ويصف طبيعة الإثارة التي يحدثها الشعر في المتلقي، وكصفة تميز بعض الاستعارات والتشابهات من بعضها الآخر))([6])

    وقد ارتبط عند النقاد والبلاغيين العرب بالغلو والمبالغة والتمثيل والتصوير والتشبيه والمجاز والاستعارة والكناية([7])، مع أنهم لم يذكروه صراحة إلى أن أتى الإمام عبد القاهر الجرجاني (ت 471ه‍)، ثم الزمخشري (ت 538ه‍) وحازم القرطاجني (ت 684ه‍).

    فجاء عند الجرجاني تحت تقسيم للمعاني إلى قسمين: معان عقلية ومعان تخييلية، وقصد بالقسم التخييلي ما ((لا يمكن أن يقال إنه صدق، وإن ما أثبته ثابت وما نفاه منفي))([8]).

    وربطه الزمخشري بالتصوير والتمثيل والتشبيه دون أن يذكر تعريفاً له([9])؛ فقد فسّر الآيات القرآنية على أنها من التخييل وردفه بالتمثيل([10])، أو الممتنع المحال([11])، أو التشبيه([12])، أو التصوير([13]).

    أما حازم القرطاجني فقد عرّف التخييل مع تعريف الشعر موضحاً أثره في النفس، مبعداً عنه الصدق والكذب([14])، ويقصد به ((أن تتمثل للسامع من لفظ الشاعر المخيّل أو معانيه أو أسلوبه ونظامه، وتقوم في خياله صورة أو صور ينفعل لتخيّلها وتصوّرها، أو تصور شيء آخر بها انفعالاً من غير روية إلى جهة من الانبساط أو الانقباض))([15]). وأشار حازم أيضاً إلى أن المراد من التخييل التعجيب، مع مراعاة حال المتلقي والمقام([16]).

    وهكذا انطلق مصطلح التخييل من بحوث الفلسفة، ودخل في الأبحاث البلاغية والنقدية العربية، وحمل معاني المخادعة والتأثير وإثارة التعجيب...، وجاء عند العرب تحت علم البيان الذي يشمل التشبيه والاستعارة والمجاز والكناية والتمثيل([17]).

    فالتخييل فنّ بلاغي يصل به الشاعر أو الأديب عموماً إلى مرحلة الخلق والإبداع، ويمكن اتخاذ تعريف لـه بأنه: ملكة إبداع واختراع وابتكار، يمتلكها الأديب بثقافته وتأمله في العالم المحيط به، فيخلق به عالماً جديداً مختلفاً عن العالم المألوف رغم أن مادته الأساسية من المألوف؛ مما سمع ورأى وقرأ ولمس وتذوق.. متميزاً من غيره؛ إذ يملك القدرة على التأثير في المتلقي تأثيراً يجعله يتفاعل ويتواصل ويتعاطف.. فيغير في فكره أو يضيف إليه إحساساً جديداً وشعوراً لم يشعر به من قبل.

    عناصر التخييل

    وللتخييل عناصر اتخذها الشعراء أداة ووسيلة في صورهم وتخييلاتهم، وهي: التجسيم والتجسيد، والإيماء والإيحاء، والمبالغة والتوسع، والاختراع والإبداع.

    1 ـ التجسيم والتجسيد

    يعطي التخييل، باعتماده التجسيم والتجسيد، الجمادات والمجردات الذهنية والنفسية الحياة والحركة والإحساس فتمثل أمامنا أشخاصاً تتكلم وتسمع وترى، وينتابها الإحساس بالحزن والفرح والألم والأسى والمعاناة..

    وهذان المصطلحان: التجسيم والتجسيد، في أصلهما اللغوي، مترادفان؛ إذ يفسّر الجسم بالجسد، والجسد هو البدن([18])، والشخص المُدرَك([19]).

    ويعد الجسد خاصاً بالجنس البشري([20])، و"الجسم ماله طول وعرض وعمق"([21])، ويختلف عن الشخص؛ إذ إن ((الشخص قد يخرج من كونه شخصاً بتقطيعه وتجزئته بخلاف الجسم))([22]).

    ويؤخذ من الجسم الفعل تجسّم، ويحمل معنى التصور أو التصوير([23]). والتجسيم هو ((التعبير عن المجرد بالمحسوس، وعن الأفكار والمدركات العقلية بالصور المحسوسة))([24])، أما التجسيد فهو ((نسبة صفات البشر إلى أفكار مجردة أو إلى أشياء لا تتصف بالحياة؛ مثال ذلك الفضائل والرذائل... مخاطبة الطبيعة كأنها شخص تسمع وتستجيب))([25]).

    وبذلك غدا كل من التجسيم والتجسيد والتشخيص يؤدي معنى متقارباً غايته التصوير والتوضيح بإضفاء الصفات البشرية الحية وغير البشرية على الكائنات الجامدة والأفكار العقلية والذهنية، وجعل المجرد الذهني النفسي والوجداني حسياً بامتلاكه صفات محسوسة من رؤية وسمع وشم وذوق ولمس، أو انفعالية من حزن وفرح وألم وأسى… أو إعطاء مالا يعقل صفة من يعقل([26]).

    وعُدّ هذا ميزة في الاستعارة خاصة؛ ((فإنك لترى بها الجماد حياً ناطقاً، والأعجم فصيحاً، والأجسام الخرس مبينة... إن شئت أرتك المعاني اللطيفة التي هي من خبايا العقل كأنها قد جُسِّمت حتى رأتها العيون))([27]).

    وقد كثر هذا في الشعر، وتناوله النقاد والبلاغيون في تحليل الشواهد وتفسيرها([28]).

    هذا، ويبقى للتخييل بما فيه من قدرة على نقل المجرد إلى الحسي بالتجسيد والتجسيم أهمية في إثارة الأحاسيس والمشاعر([29]). وبما يضيفه الشاعر من عاطفته وأحاسيسه ببعث الحياة في الجامد من الطبيعة مثلاً([30])، أو في الأفكار المجردة العقلية والذهنية للوصول إلى فكرة أرادها، هادفاً إيصالها إلى الآخرين([31])؛ إذ إن الخيال ما هو إلا قوّة خلاقة مبدعة ((للصور المرئية الملموسة ... هو القدرة أو الطاقة التي تحيل هذه الصور إلى جسم حي ذي شخصية متميزة، وطبيعة ملموسة... وهذا الجسم الحي لا يتعامل مع مجرد صور ثابتة، وإنما يتعامل من خلالها مع انفعالات الفنان وأفكاره، بحيث يجسّدها في شخصيات ومواقف تجعل منها بناءً مستقلاً قائماً بذاته))([32]) فنصبح في عالم آخر، نتخلص به من قيود الحياة المادية، وننطلق بحرية إلى حياة فسيحة لا تحدّها حدود، نخرج من الألفة والعادة إلى عالم الخوارق والعجائب([33])

    واستفاد أبو العتاهية من هذا الجانب في التخييل إذ نراه يشخص الإسلام ـ وهو مجرد ذهني ـ ويجعله إنساناً حياً عاقلاً له مشاعر وأحاسيس؛ فتراه يبكي حزناً على ما آل إليه وضع علماء الإسلام، ولكن ليس هناك من يبالي أو يهتم ببكائه ويكترث له. يقول([34]):

    بكى شجوَهُ الإسلامُ من علمائه



    فما اكترثوا لما رأوا من بكائه




    ونرى من جانب آخر أن المطامع إنسان يأمر وينهي، وكأنها ملك استعبد صاحبه، فتظهر أمامنا مشخصة في قوله([35]):

    أطعتُ مطامعي فاستعبدتْني



    ولو أني قَنِعْتُ لكُنْتُ حُرّا




    وفي هذا تخييل يصور للناس ما تفعله مطامعهم فيهم، فينقادون لها مستسلمين؛ تسيّرهم كيفما تشاء، وتصبح الملكة عليهم صاحبة الولاء والطاعة.

    وكثر عند أبي العتاهية في وعظه تجسيم الموت وتشخيصه وتجسيده؛ فإذا بالموت سهم قاتل أو وحش كاسر، يترقّب ويترصد، ويصول ويجول، ويقتل ويفني، ويقضي على الضحايا وينال منها؛ يقول([36]):

    المنايا تجوسُ كُلَّ البلادِ



    والمنايا تُفني جميع العبادِ



    لتنالَنَّ مِنْ قُرونٍ أراها



    مِثلَ ما نِلْنَ من ثمود وعادِ



    هُنّ أفنينَ مَنْ مضى من نزار



    هُنّ أفنينَ من مضى من إيادِ




    ويظهر لنا التجسيم أيضاً في وعظه بضرورة محاربة الهوى وعدم اتباعه، جاعلاً من الهوى إنساناً شريراً ينبغي قتاله والقضاء عليه؛ يقول([37]):

    قاتِلْ هواك إذا دعاكَ لفتنةٍ



    قاتِلْ هواكَ هُناكَ كُلَّ قِتالِ



    وإذا عقلتَ هواكَ عن هَفواتِهِ



    أطلقتهُ من شينِ كُلِّ عِقالِ




    ومن تجسيم المعنوي أيضاً في صورة الحسي وتشخيصه بصورة كائن حي يتحرك ويعمل ويتصرف؛ تهنئة أبي العتاهية الخليفة العباسي المهدي في قوله([38]):

    أتته الخلافةُ منقادةً



    إليه تجرِّر أذيالها




    فالخلافة هنا ((غادة هيفاء مدلَّلة ملول، فُتِن الناس بها جميعاً، وهي تأبى عليهم، وتُصُدُّ إعراضاً، ولكنها تأتي للمهدي طائعة في دلال وجمال، تجرّ أذيالها تيهاً وخفراً))([39])، أو تأتي إليه منصاعة ذليلة؛ فهي هنا امرأة حسناء جميلة تطيع الخليفة صاغرة.

    إذاً فالتخييل يقوم على التجسيم والتجسيد ببثّّ الحياة في الجمادات اعتماداً على التشبيه والمجاز؛ متخذاً منها وسائل لتجسيد المعاني والخواطر والأفكار.

    وقد ارتبط التجسيم في النقد العربي القديم بالتقديم الحسي للمعنى وتشخيصه اعتماداً على الاستعارة في الدرجة الأولى مع إضفاء الشاعر شيئاً من أحاسيسه ومشاعره بتخييل منه غير ناسٍ المتلقي، تاركاً في نفسه أثراً ما، كما لاحظنا من خلال الشواهد التي ذكرناها لأبي العتاهية فما تحدث عنه كان أموراً تلازم كل إنسان ويعايشها طوال حياته؛ ولذلك استطاع الشاعر بتخييله وتجسيمه وتشخيصه أن يترك فينا أثراً فاستجبنا لما قال وانسقنا وراءه.

    ( يتبع )
    التعديل الأخير تم بواسطة أروى ; 20-01-2005 الساعة 02:11 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •