وايضاً نبذة من تاريخ ينبع

قال ياقوت في معجمه : (( ينبع : بالفتح ثم السكون والباء الموحدة مضمومة ، وعين مهملة ، بلفظ ينبع الماء ، قال عرام السلمي : هي عن يمين رضوى لمن كان منحدرا من المدينة إلى البحر على ليلة من رضوى ، و من المدينة على سبع مراحل ، وهي لبني حسن بن علي ، ويسكنها الأنصار وجهينة وليث ، وفيها عيون عذاب غزيرة .... إلى أن قال : وقال الشريف بن سلمة بن عياش الينبعي : عددت بها مائة وسبعين عينا ...
وهي تعرف الآن بينبع النخل ، وتبعد عن مدينة ينبع البحر مسافة 50 كم ، وتشتمل قرى وهجر كثيرة ، وغالب سكانها من جهينة ...
وقال الشيخ العلامة حمد الجاسر _ رحمه الله _ في كتابه (( بلاد ينبع )) : لينبع شهرة كبيرة في كتب التاريخ ، وفي حوادث صدر الإسلام لوقوعها على طريق القوافل التجارية بين الحجاز والشام ، فكان وما بقربه من المواضع ميدانا لمناوشات كثيرة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وبين قريش وبعض القبائل ، ومن تلك الغزوات : غزوة العشيرة ، وبواط ، وسرية العيص ، ومن ينبع عرف التاريخ عددا من الرجال المشهورين ، منهم : حرمة المدلجي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكشد بن مالك الجهني ، وابن أخيه اللذين أقطعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبع ، ومحمد بن صالح الحسني من أهل القرن الثالث الهجري من ( سويقة ) من مشاهير الشجعان والشعراء المجيدين ... إلى أن قال : والشريف قتادة مؤسس دولة الأشراف في مكة في القرن السادس الهجري ، ومن ينبع أنتقل جد الأسرة العلوية الحاكمة في المغرب في القرن السابع ... )) . وقد ذكر أهل التاريخ والمغازي بلوغ النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه ( ينبع ) ، ففي أحداث السنة الثانية من الهجرة ، قال الإمام المؤرخ المفسر أبو جعفر الطبري – رحمه الله - : (( وفيها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعترض لعيرات قريش حين أبدأت إلى الشام في المهاجرين – وهي غزوة ذي العشيرة - حتى بلغ ينبع )) .
ويبدو أن ( ينبع النخل ) كانت مما يتحدث عنه الناس بحسنها وجمال طبيعتها حتى في مجالس الخلفاء ، فيذكر الإمام الطبري أن هارون الرشيد الخليفة العباسي أمير المؤمنين – رحمه الله – سأل العباس بن الحسن من ذرية على بن أبي طالب لما رآه يكثر ذكر هذه البلدة ، فقال له الرشيد : أراك تكثر من ذكر ينبع وصفتها ، فصفها لي وأوجز ، قال : قلت : بكلام أو بشعر ؟ قال : بكلام وشعر ، قال : قلت : جدتها في أصل عذقها وعذقها في مسرح شأنها ! ، قال : فتبسم ، فقلت : يا وادي القصر نعم القصر والوادي ..... من منزل حاضر إن شئت أو بادي
ترى قراقيره والعيس واقفـــــــــة ..... والضب والنوق والملاح والحــادي
وينبع الآن تطلق على مكانين : ينبع البحر : وهي المحافظة المعروفة المطلة على البحر الأحمر ، وينبع النخل وهي المقصودة في ما سبق ذكره ، وهي الآن حاضرة من حواضر قبيلة جهينة ، وتشمل عددا من القرى المشهورة قديما وحديثا ، وأكثر هذه القرى كانت عيونا مشهورة ، يفيض منها الماء العذب ، ليسقي أهله ومن يمر عليها من مسافرين وحجاج ومعتمرين ، فقد كانت هذه العيون كما يذكر صاحب (( مرآة الحرمين )) محطا لموكب الحجاج وممرا للمحمل المصري ، فقد ذكر اللواء إبراهيم باشا في كتابه هذا مرور الحجاج المصريين عبر هذه الديار ، وكيف كان الاتصال بينهم وبين أمراء جهينة في ذلك الوقت لتسهيل أمور ضيوف الرحمن وتأمين وصولهم إلى بغيتهم الشريفة .
وجاء في رحلته هذه وصف سفره من ينبع البحر إلى ينبع النخل ، حيث قال : قمنا من الأولى – ينبع البحر – في منتصف الساعة الثالثة العربية من يوم الأحد 17 محرم 1322هـ وسرنا في ميدان فسيح مستوية أرضه إلى الساحة الحادية عشرة حيث دخلنا بين الجبال .... وبعد المغرب بساعتين ونصف وصلنا ينبع النخل ، ولها من معنى اسمها نصيب ، فإن النخل بها كثير ، وعيون الماء العذب بها نابعة متفجرة .... ))