هل نطلق يد الفتاة؟
السؤال يبقى: هل نطلق يد الفتاة في كل أنواع العلوم أم نختار لها؟
في الواقع ليس هناك مانع شرعي من إطلاق يد الفتاة في كل العلوم شأنها في ذلك شأن الرجل ولكن ليس هناك ما يمنع من الاختيار لها ما هو اصلح لها ففي الحياة كلها فاضل ومفضول. وقد يتخوف بعضهم من أن الفتاة إذا تعلمت ونالت شهادة الدراسة الثانوية أصبحت تتوق الى دخول الجامعة واغلب الجامعات في العالم العربي قائمة على الاختلاط والجمع بين الذكور والإناث وذلك سبيل للفساد ولا ننكر أن هؤلاء محقون في تخوفهم فالجو العام لهذه الجامعات جو فاسد يرضي الشيطان أكثر مما يرضي الرحمن وريثما تتهيأ الفرصة لإصلاح وضع الجامعات فإنه يجدر بنا أن نعطي توجيهاً مركزاً أكبر للفتاة ورقابة أكثر فنحن كما أسلفنا قد بينا أنه لا بد من ثقة كبيرة بالفتاة ولكن الشيء الذي لا نثق به هو هذا الواقع الفاسد الذي يتحرش بالفتاة ويسعى إلى إفسادها وإفساد خلقها ودينها. ولنضرب مثالاً: أنت قد تكون سائقاً ماهراً صاحب خبرة كبيرة ودراية عظيمة في قيادة سيارتك وتمتطي سيارة جديدة جيدة وذلك يعطيك الثقة الكبيرة بنفسك وقيادتك ولكن، هل تستطع أن تضمن إلا يأتيك جاهل أو طائش أو متهور في قيادته لسيارته فيصدم سيارتك؟
وكذا الحال: فنحن قد نربي بناتنا تربية جيدة ونرسلهن إلى الجامعات ولكننا لا نستطع أن نتحكم في النظام الجامعي السائد فهي عرضة لمن يسئ إليهن وهذا يدفعنا إلى أن نزيد من توجيه بناتنا وأن نراقبهن مراقبة فعالة وليس في ذلك انتقاصاً من قيمتها فالجوهرة الثمينة هي التي يحرص عليها أصحابها ولقد تعودت النفوس على الأنس بما يستمر وإن أنكرته أولاً وهذا ما حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم فبين أن بني إسرائيل أنكروا على أهل المعصية معصيتهم ثم لم يمنعهم ذلك من أن يكونوا بعدُ ممن آكلها وشاربهم فأنزل الله عقابه على الجميع. في حياتنا المشاهدة أمثلة على صحة ما نقول فإن أول امرأة سفرت كانت مثار النقد والتجريح ثم توالى السفور حتى بتنا لا نكاد ننكر ذلك ولو رأينا بين بناتنا أو أخواتنا إلا نرى أن الماء من أرق ما خلق الله وأن الصخر من أقسى ما خلق ومع ذلك فإن تركنا صنبور الماء ينقط نقطة فإن هذه النقطة على ضعفها يمكن أن تحفر الصخر !!

التربية الاجتماعية
التوازن مطلوب
التوازن في المال:
أن من الأمور الاجتماعية التي يجب أن يوليها الأبوان حقها من الرعاية ما يعطي الولد من المال فقد يسوق الحنان والعطف والحب أحد الأبوين إلى إغداق المال على أبنائه دون حساب أو تقدير فيتعود الابن على الأنفاق والبذخ والإسراف فإذا ما قصر الأب بعد ذلك على ولده أحس بالفارق الكبير ومن ألف شيئاً صعب عليه تركه ومن تعود أمرا حكمته العادة وقد تجر العادة على الإنفاق وقد شعر الأبن بالنقص والتقصير عليه إلى السرقة من ما لأبيه والبنت إلى السرقة من مال أمها أو أبيها وقد تبدأ السرقة بمبلغ صغير ثم يتسع الخرق على الرقع فلا يمكن تدارك الأمور أو الخروج من المأزق فيكون حنان الأبوين سبيلاً لضلال الأولاد وانحرافهم وخروجهم عن السبيل القويمة. وقد يظن بعض الآباء أن في التقتير على الأولاد نفعاً لهم ورعاية لتربيتهم فترى الولد محروقاً تتشوف نفسه إلى ما يراه بيد إخوانه وأصحابه وهو لا يستطيع أن يجاريهم ولا أن يسير بسيرهم وقد يبعث ذلك في نفسه الشعور بالنقص فتراه كسيراً ضعيفاً ذليلاً وقد يجره أيضاً إلى السرقة فيكون الأمر وبالاً. وما اعظم توجيه الله عز وجل حين يقول: (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا). لقد بنى الإسلام الشخصية الإسلامية على التوازن فلا تطغى ناحية على أخرى والنصوص الإسلامية التي تبين منهج الوسطية كثيرة.
التوازن في حدود الخروج والدخول:
من فكرة الإفراط والتفريط ينبع سلوك يحتاج الى العناية من الآباء وهو لبث الأبناء خارج البيت فقد يعمد بعض الآباء أو الأمهات إلى منع أولادهم من الخروج من البيت إلا لضرورة ملحة فإذا جاء المساء منع الأبناء الذكور من الخروج خوفاً عليهم كما أن بعض الآباء أو الأمهات يتركون أبناءهم خارج البيت حتى يكاد الليل ينتصف دون أن يفكروا أين كان هؤلاء الأبناء؟ ومع من؟ وماذا صنعوا (أو: صنعن)؟ وكلا الحالتين خطأ فالوالد في هذه السن الحرجة يحتاج الى المراقبة كما ذكرنا لذلك لا يصح أن يترك الأبناء خارج البيت دون رعاية بل يجب أن يعلم الآباء أو الأمهات إلى أين يذهب أبناؤهم وبناتهن ومن الفضل أن يكون الأمر تحت إشراف الأبوين أو أحدهما أو بمشاركتهم وحبذا لو أن الأب حرص على اصطحاب ولده معه بعد المغرب إلى المسجد للصلاة أو حضور حلقة للعلم أو الدرس وكذا الأمر لو اصطحبت الأم ابنتها معها فوطدت صلتها الاجتماعية بأهلها وعلمتها حسن السلوك مع الآخرين ونبتها على الأخطاء التي قد تقع فيها أو تقع فيها الأخريات ولا بد أن نشير هنا إلى أن الأبناء الذكور يصابون أحياناً بنوع من الخوف فلا يتجرءون على الخروج من البيت في الظلام وهذه الحالة مرضية زرعت في الأبناء في الصغر كما أشرنا سابقاً وتحتاج إلى علاج ويكون ذلك بأن يخرج الأب بصحبة ابنه في جوف الليل متجولاً مبيناً لابنه أنه لا يوجد ما يخيف وأن كل ما يظنه إنما هو أوهام وتخيلات ثم يطلب منه بعد ذلك أن يخرج وحيداً كأن يطلب منه الذهاب إلى بيت عمه أو خاله لإحضار حاجة وإيصال خبر أو ما شابه ذلك وذلك من أجل تشجيع الولد ونزع الخوف من نفسه.