[ALIGN=CENTER]أخي العزيز / أبو عاصم
تكرمت ـ مشكورا ـ واخترتَ لنا هذه الواقعة التي تستحق الوقوف والتأمـل بل والتشريح أيضا ؛ لأن لها خلفيات موغلة في الصميم وفي قضيتنا الحياتية والاجتماعية وهذا الذي حدث بين الوزير والمواطن الذي دعاه نحن ننظرإليه بدهشة وهم يعتبرونه أمرا عاديا وهــذا هو السر الخفي الذي يحتـّـم علينا أن نغير الكثير من سلوكياتنا لا لتقليد الغرب ولكن لأن الغرب أخذوا محاسن ما نملك من مقومات ومثاليات يحث عليها ديننا ونحن أصبحنا من العازفين لها ..

أخي الكريم :
إنّ أكبر مأزق وقعنا فيه هو التعالي النابع من إحساس قاتل بالدونية وحتى عندما نستحسن مثل هذه الوقائع ونجد من يبدي رأيا إيجابيا تجاهها ؛؛ تأخذنا العزة بالإثـم ونتهم هؤلاء بأنهم يقلدون النموذج الأمريكي مع شديد الأسف ...
ولكن : هل عرفنا لماذا قبل الوزير دعوة المواطن دون تــردد ؟؟
لأنه تـربى ونشأ على البساطة وعدم الكلفة وأن تقدير الشخص ليس بملء بطنه وهو متأكد أن مضيفه لن يقدم له إلا ما تعود عليه .. صحن كيك وحبتين بيتـزا وكأس عصير ....
أما لو كانت الدعوة هنا لوزير من الوزراء وقبل الدعوة فحدث ولا حــرج .. سوف تقوم الدنيا وتقعد ولابد من الاستعانة بالأصحاب والأقارب وأهل الخبرة في شراء الطليان الحري وعملية الطبخ وهل تكون تبريكة أو أرباع وهذه يتولاها المختصون ...
أما المسؤولون عن القهوة ولوازمها ومباشرتها فهم يقدمون طلباتهم ويجهزون محتوياتهم ..
وهناك أشخاص مهمتهم البخــور والمبخرة وشراء أجود أنواع العـود ، ولابد من وضع ترتيبات معينـة وطقوس تعودنا عليها :
من يستقبل الوزير ومن يسلم عليه أولا ثم من يقول له ( حياك الله على ما وفق الله)
وحتى الشارع الذي سيمر منه الوزير يتم التشييك عليه وربما الاتصال بالبلدية لترقيعه إن أمكن .. إضافة لتجهيز كشف بالمدعوين من علية القوم ...

واللستة كبيرة يا أبو عاصم ...والآثــار المترتبة عليها مدمرة للنفوس والفلوس أما النتائج فهي هزيلة جــدا أهمها :
( والله عزومة فلان للوزير ما يجي بعـدها ) هـــذي العزومة وبس !!!!

لذلك فإن الوزير لدينا عندما يتردد في قبول الدعوة الموجهة إليه فهو يعرف هذا المسلسل .. بل إن عامة الناس هم أيضا يترددون في قبول دعوات بعضهم حتى لو كانوا جيرانا أو أقارب ؛؛؛ لأن الهم الأول هو التكلف والمغالاة واختفاء الجوهـر بعد أن طغت المظاهرعلى كل شؤون الحياة لدينا وأصبحت عاداتنا مسلمات الويل لمن يخرقها أو حتى ينتقدها ..
فما أحوجنا لأن نترسم طريق الواقعية في قضايانا وأن نتلمس الأحجار في القاع عند عبور النهر كما يقول الصينيون في أمثالهم ..[/ALIGN]