مع الفجر
رحم الله بدر

عبدالله عمر خياط


.. كنت في زماني الأول لا أميل لقراءة قصائد الرثاء ولا المدح أيضا، حتى جاء عام 1986م تكررت فيه اجتماعاتي بالأديب العربي الكبير ثروت أباظة ــ رحمه الله ــ بمناسبة بقائي بمعية صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن عبدالعزيز بعض أشهر ذلك العام في القاهرة.

وخلال الأحاديث التي كنا نتبادلها ذكرت له أنني لا أميل لقراءة قصائد الرثاء؛ لأنها في معظمها مجرد نظم.

قال: اسمع يا عبدالله هذه القصيدة، وهي لأحمد شوقي وهو يرثي فيها الباشا أحمد أباظة. ومضى في قراءة القصيدة حتى إذا ما جاء عند البيت القائل:

ومن يعط من جاه الملوك وسيلة

ولم يصنع المعروف لم يعط غاليا

فأعجبتني القصيدة ككل، وأطربني هذا البيت معنى ومبنى، ومن يومها أخذت أحرص على قراءة قصائد الرثاء.. وكلمات الرثاء لعلي أجد فيها ما هو في مستوى قصيدة أحمد شوقي.

تذكرت كل ذلك عندما نقل لي أخي السيد محمد علي الجفري نبأ وفاة الصديق الحبيب والأخ الكريم الأستاذ بدر كريم. فالأستاذ بدر واحد من العصاميين، إذ استطاع وهو في قمة شهرته كمذيع ناجح بالإذاعة السعودية أن يبدأ الدراسة من أول السلم حتى حصل على الدكتوراه، ليصبح معلم أجيال، بعد أن كان من خلال الإذاعة التي قضى معظم سنوات عمره ناشرا للمعرفة وواسطة عقد بين الطلبة الذين يدرسون بالخارج وبين أهليهم من خلال برنامج شهير.

ولقد تعرفت على الصديق بدر ــ تغمده الله برحمته ــ في السنوات الأولى التي قدمت فيها للعمل بجريدة البلاد السعودية، ففاجأني ذات ليلة وأنا بمطابع الأصفهاني للأشراف على طباعة الجريدة، ووضع أمامي جهاز التسجيل الذي نقل للقراء من خلاله حلقات برنامج «في الطريق».

ثم أصبح بعد ذلك رفيق درب يمدني بالأخبار التي تصل إلى مسامعه ولا مجال لإذاعتها، وأشير عليه بالأسماء التي يمكنه أن يسجل معها حلقة جديدة من برنامج «في الطريق».. وعندما نعجز عن اختيار الاسم المناسب يسارع ويقول ما في غيرك!!

وفي مجلس الشيخ حسين شبكشي كان لقاؤنا بعد مغرب كل يوم، قبل أن أتوجه للعمل المسائي بالجريدة في مطابع الأصفهاني. ومما أذكره أنه كان قليل الإقبال على الطعام، ولكنه ما بين يوم والثاني يقترح على الشيخ حسين ــ رحمهما الله ــ أكلة غربية «معدوس بمخ الدجاج» أو «كنافة محشوة بالمعدوس» أو «هريسة ملوخية» ويستجيب الشيخ حسين لكل ذلك، وعلى المائدة يقول الأستاذ بدر: «كلوا هذه الأطعمة فلن تتكرر».

رحم الله أخي وحبيبي الأستاذ بدر كريم وأسكنه فسيح جناته، وألهم آله ومحبيه الصبر وجميل العزاء.

السطر الأخير:

إذا مات أحد ترحمنا عليه

وبنظرة جف الحنين بها منحناه السراب