في مجلس جمع عددا من المهتمين بالتراث:
مطالبات بإبعاد مسؤولية «تاريخية جدة» عن الأمانة وإسنادها لهيئة مختصة







محمد العجلان (جدة)


دعا المشاركون في مجلس نقاش استضافه مرسم الفنان هشام بنجابي في جدة التاريخية، ونظمته مجموعة قلب جدة بعنوان «ماذا بعد مهرجان جدة التاريخية؟»، إلى أهمية استمرار اللقاءات التي تثري الجانب الحضاري للمنطقة التاريخية وتسعى بشكل فعال في الحفاظ على الإرث التاريخي للمنطقة، وإحياء مبدأ الاستدامة المجتمعية لها.
وأكد مدير اللقاء الذي حضره نخبة من المثقفين والعمد والمهندسين والمهتمين بجدة التاريخية ورئيس بلدية جدة التاريخية المهندس طارق القرني، ومؤسس مجموعة قلب جدة الدكتور زياد أعظم، على أهمية المهرجان والأثر الإيجابي الجميل الذي تركه على مجتمع جدة خصوصا والسمعة الكبيرة التي اكتسبها على مستوى المملكة وخارجها عموما، مؤكدا أن الأمر ليس تنظيم مهرجان فحسب، بل هو أكبر من ذلك بكثير، وأن والأهم منه استمرار هذا العمل الحيوي الكبير وبذل المزيد من الجهود لإحياء المدينة التاريخية طوال العام، قياسا على نجاح مهرجان جدة التاريخية الذي نظم في وقت سابق ووجد صدى كبيرا ونجاحا منقطع النظير.

مدرستان وتوجهان
وأوضح المهندس طارق القرني، خلال رده على بعض المداخلات، أن البلدية مستعدة لمساعدة الجميع وترحب بكل من يطلب مساعدتها ويطرق بابها، لأنها أنشئت من أجل جدة التاريخية ولها وللعناية بها، مشيرا إلى أن البلدية مفتوحة لكل من يرغب في خدمة جدة التاريخية، وأكد الوقوف مع الجميع قلبا وقالبا لكل ما هو في مصلحة المنطقة وأهلها ويعود عليها بالنفع والفائدة، وبين أن هناك اتجاهين أو مدرستين تعملان على الحفاظ على المنطقة التاريخية ولكل منهما أسلوبها الخاص، موضحا أن الأولى تعمل على الحفاظ على المنطقة التاريخية والمواقع الموجودة فيها كما هي دون المساس بأي شيء تماما، أما المدرسة الثانية فإنها تقول بالحفاظ على المنطقة التاريخية الموجودة حاليا مع ترميمها وتحسينها وتطويرها والعناية بها وفق ما تقتضيه المصلحة وما يتوفر من إمكانات.
وأشار القرني إلى توقيع البلدية عقدين لترميم 44 بيتا داخل المنطقة التاريخية، مبينا أن المعايير التي يجري الترميم عليها هي أن يقع البيت على أحد المسارين، إما مسار الحج أو المسار السياحي، أو أن يكون البيت مصنفا ضمن البيوت التاريخية، كما أوضح أنه تم تحويل عدد من البيوت لمتاحف مثل (بيت نصيف، باب البنط، عين القوسية، بيت البسيوني)، فيما عارضه عبدالله جمجوم -أحد ملاك بيوت جدة التاريخية- والمهندسان جمال برهان وطلال سمرقندي في المعايير التي وضعتها الأمانة في اختيار البيوت التي يتم ترميمها، إذ أبدى جمجوم رغبته في هدم بيته ورغبته في بناء برج للاستفادة المادية منه، لكن لاقى معارضة شديدة من الحضور في رغبته هذه، وطالبوه باستثماره والإبقاء عليه كما هو حفظا للإرث التاريخي لجدة، فرد عليهم عبدالله جمجوم بأن الصورة غير واضحة وأن العلاقة غير معروفة بين الجهات المعنية والملاك وطالب بتوضيحها.

المثال الأوروبي
من جهتها، طالبت الدكتورة سعاد بلحجري رئيس قسم التغذية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، في مداخلتها بالسماح لملاك البيوت التاريخية باستثمار مواقعهم التي يملكونها مثل ما يحدث في باقي دول العالم، وعرضت مثالا لذلك، أنه في كثير من دول العالم الأوروبية يتم تحويل عدد من البيوت الأثرية إلى بوتيكات وفنادق تراثية صغيرة حسب حجمها، مؤكدة أن دخلها يوازي دخل الفنادق الأخرى الراقية، مقترحة تحويل عدد من البيوت إلى متاحف وبعضها الآخر إلى مطاعم تقدم الأكلات القديمة والشعبية.
والتقط سمير برقة وهو تربوي وخبير بالآثار ومهتم بالشأن التاريخي لجدة ومكة طرف الحديث مؤكدا على ضرورة الإفادة من مشروع الملك عبدالله -يحفظه الله- للعناية بالتراث الحضاري. فيما اقترح عاطف الشهري أحد المهتمين بالشأن المحلي لجدة التاريخية، استبعاد البلدية من المنطقة التاريخية وطالب بخروجها من المنطقة بتكوين لجنة أو هيئة مختصة بالمنطقة التاريخية، وتكون مهمتها المنطقة التاريخية فقط، أو تسليمها بالكامل لهيئة السياحة والآثار وأن تكون هي الجهة الوحيدة المعنية والقائمة على المنطقة التاريخية، مبينا السبب في أنها منطقة استثنائية لها حالة خاصة لما تضمه من متاحف ومواقع أثرية ذات أهمية تاريخية بالغة، وأن هذا هو المتبع في جميع دول العالم، فالبلدية لديها نظام مصمم يطبق ويتماشى مع المناطق السكنية ويتوافق مع طبيعة الأحياء الموجودة في جميع أنحاء مدينة جدة، ويتعارض مع طبيعة وبيئة منطقة جدة التاريخية.

انتقاد للعمل
وانتقد الشهري العمل القائم في ترميم مسجد الإمام الشافعي (الجامع العتيق) ووصفه على حد تعبيره بـ(المجزرة) لما ناله الترميم الآن من تكسير وهدم لكثير من جنبات المسجد وأعمدته التي كانت قائمة من الأزمنة القديمة.
وعلق المهندس طلال سمرقندي عضو اللجنة المشكلة لمعالجة بعض الصكوك لبعض بيوت جدة التاريخية التي تواجه مشاكل من عدة جهات مختلفة بتوجيه من رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار ووزير العدل، موضحا أن اللجنة تعمل الآن في تدوين سجل عيني للمنطقة التاريخية وفق التوجيه الوزاري للجنة المشكلة، وتساءل عن أسباب عدم الاستفادة من قسم الهندسة والعمارة وكلية الهندسة وقسم الماجستير للتراث العمراني الذي تم استحداثه بجامعة الملك عبدالعزيز، وتحوير كثير من مشاريع الطلبة والهيئة السعودية للمهندسين والجمعية السعودية لعلوم العمران لصالح تاريخية جدة؟، لكنه انتقد مهرجان جدة التاريخية الماضي ووصفه بـ(الفاشل) -على حد تعبيره- مبررا فشله من وجهة نظره بأنه ركز على الجانب التجاري وخلا من الجانب الفني والمعماري التراثي الذي يعتبره من وجهة نظره أساس الموضوع.

خطوة صحيحة
الدكتور مهندس سامي عنقاوي وهو باحث ومتخصص بالتراث والآثار ومهتم بالشأن المحلي لجدة التاريخية وأحد المستثمرين في جدة التاريخية، أشاد بالنقلة النوعية التي تشهدها المنطقة التاريخية، مؤيدا الحراك الاجتماعي والاقتصادي والفني الذي يحدث في المنطقة التاريخية وجدة عموما.
وأشاد عنقاوي بخطوة مهرجان جدة التاريخية، وشكر القائمين عليه وكل من ساهم في نجاحه وقال إن المهرجان خطوة في الاتجاه الصحيح.
واقترح المطالبة بالتحرك مبدئيا للعمل على إحياء المنطقة التاريخية على شكل وحدات صغيرة «لأننا لو ننتظر أن نقوم بالعمل على تطوير المنطقة بشكل كامل وشامل فهذا أمر يصعب الآن، ومن غير المنطق التفكير بهذه الطريقة لأن كل جزء فيها له وضعيته الخاصة وملاكه، ولهم توجههم الخاص».