كاتب كويتي زار ينبع البحر وينبع النخل
الكاتب الكويتي أحمد مبارك البريكي زار السعودية ومن ضمن المناطق التي زارها محافظتنا الغالية ينبع البحر ومركز ينبع النخل ...الأستاذ أحمد مبارك البريكي كاتب معروف ويكتب مقالات حصرية لصالح صحيفة الكويتية الالكترونية ..وهذا هو نص المقال


الدرب المعبّد الوديع يحني جسده الفارع الطويل ويمتد أمامي ليمهّد لي رحلة الذهاب، والبحر الأحمر الواسع يشتبك في الأفق مع مشهد انتهاء الشمس، ومغيب مألوف يداهمني، لوحة إرشادية وضّاءة تشير إلى قرب حلول مدينة ينبع، وعجلات مركبتي تسابق الأمتار الأخيرة للوصول إلى منبع البحر حيث منتجع (أراك) الذي انتقيته بعناية بعد أن جُلت في شعاب (الإنترنت) لأجد مسكنا لائقا بهذه المدينة التي اختارت الشاطئ مسكنا لها.
من على شرفة إقامتي هدوء وسكينة وحديقة منمّقة تستوطن تحتي وأمامي بحر ينام ملتحفا رداء الليل ينتظر صباحه ليشعّ زرقته للكون ويزهو للزائرين.
نهاري يباغتني.. فأتجهّز له بكل عتادي و(كاميرتي) الكانونيّة بندقيتي لقنص مشاهد اللحظات الاستطلاعية.. يوم أثري آثرت فيه كشف حجاب مدائن ينبع النخيل وهي قرى متناثرة كحبات البلور في صحراء تهامة الشاسعة التي تحجز الحجاز عن بحر القلزم القديم، وتقع على مرمى حجارة من ينبع البحر، وقد تشكّلت من مبانٍ من الحجارة والطين تتحلّق حول ينابيع العيون الموزعة لفيض جوف الأرض.. إنها الوجه الآخر لمدينة ينبع التي سميت نسبة لهذه الينابيع التي يقدّر عددها بـ (370) بئرا.. وتبعد هذه القرى الريفيّة مسافة نصف ساعة عن مركز المدينة وتنتشر بها علامات نهضة غابرة كالقصور الطينية وأعجاز البساتين الخاوية التي توحي بمرور حضارة هناك قوامها العمارة والزراعة والماء الوفير.
جبل رضوى بجماله وارتفاعه يستقبلني عند باب ينبع مرة جديدة وأنا في رحلة العودة، لأجد ضالتي في رحلة صيد قيلوليّة على مسطّح البحر الأحمر النائي البعيد والمحاذي للـ (فيلا) الينبعيّة الفاخرة، لأظهر بها بعض مهاراتي المخفيّة في سحب السمك الكثير من قيعان حياتها إلى قمم مائدتي..!
ينبع المدينة التاريخية لا تزال تخبئ لي شيئا لأعرفه، بعد أن أخَذَت من عمر الدهر 25 قرنا ها هي تصنع لي حكاياتها الجميلة، فهي مركز لعبور قوافل البهارات والتجارة بين اليمن ومصر في عصور الإسلام الأولى، كذلك سجّل لها التاريخ الحديث نقطة نضاليّة للجيوش العربية في معركتهم ضد العثمانيين إبان الحرب العالمية الأولى والثورة العربية الكبرى حينما كانت ميناءً للتزوّد بالإسناد العسكري وقاعدة لانطلاق الهجمات القتالية.
قبل نهاية النهار المليء وقفت في القرية التراثية المقابلة للميناء البحري الكبير الذي يورّد الحجاج من كل الفجاج، فأقف أمام منزل حضرمي قديم متجدّد الأصباغ، واكتشف بأنه ذات المنزل الذي كُتب تحت سقفه لقاء لملكين عربيين قبل سبعة عقود من الزمن وهما الملك عبد العزيز آل سعود أول ملوك المملكة العربية السعودية والملك فاروق آخر الملوك العلويّة في مصر عند زيارة الأخير التاريخية الشهيرة لينبع التي تمخّضت مباحثاتها عن ولادة جامعة الدول العربية.
مع قدوم الليل كنت قد قُدتُ سيارتي باتجاه مهرجان الزهور والحدائق الذي تقيمه الهيئة الملكية في ينبع كل سنة مع مغادرة موسم الربيع، لأجد أن جِنان الورود وأريج الزهرات لها حضور فوّاح وبهي بين سجّادتي النخل والبحر..!

رابط المقال http://alkuwaitiah.com/ArticleDetail.aspx?id=34488