قراءة فى كتاب العمدة لابن رشيق
من فنون الشعر – الرثاء


يرى ابن رشيق مع قدامة ان ليس بين الرثاء والمدح فرق الا ان يخلط به شئ يدل علن ان المقصود به ميت .

الا ان الكثير من اروع قصائد الرثاء لاتتصدر بكان ولا تتضمن عدمنا ولا شيئا من هذا القبيل , كقصيدة "أوس" :

ايتها النفس اجملى جزعا *** ان الذى تحذرين قد وقعا

وقصائد الخنساء من مثل :

يذكّرنى طلوع الشمس صخرا *** واذكره لكل غروب شمسِ

وقصيدة المعرّى "

غير مجدٍ فى ملتى واعتقادى *** نوح باكٍ ولا ترنّم شادِ

فالرثاء هو الفن الذى يظهر فيه شعور الشاعر نحو المصاب , وقد يكون هذا الشعور شعور الجزع , أو الحزن , أو الرضا بما وقع والإستسلام له , والنظر فى فلسفة الموت والحياة .

ويرى ابن رشيق ان النساء اشجى الناس قلوبا عند المصاب وأشدهم جزعا عند هلك عزيز . ويعلل هذا بما ركب الله فى طبعهن من الخوَر وضعف العزيمة .

قالوا قتل "ديك الجن" جاريته , لسبب ما . ثم قال يرثيها :

يامهجة جثم الحمام عليها *** وجنى لها ثمر الردى بيديها
روّيتُ من دمها التراب وربما *** روّى الهوى شفتيّّ من شفتيها
حكّمت سيفى فى مجال خناقها *** ومدامعى تجرى على خديها
فوَحق نعليها لما وطئ الحصى *** شئ اعز علي من نعليها
ماكان قتليها لأنى لم أكن *** أخشى اذا سقط الغبار عليها
لكن بخلتُ على الأنام بحسنها *** وانِفتُ من نظر العيون اليها


وينكر النقاد ان تفتتح المرثية بغزل . ولكن يعتذرون عن قصيدة "دريد بن الصمة" فى رثاء اخيه والتى مطلعها "

ارثّ جديد البين من أم معبد *** بعافية واخلفت كل موعدِ

بأن ذلك كان بعد قتل اخيه بسنة وبعد ان اخذ ثأره وادرك طلبته . ومعروف ان "الكميت" كان يتغزل فى مطلع مرثياته .

اما "جليلة بنت مرة" التى قتل اخوها "جساس" زوجها كليبا . فلم تكن تدرى اترثى زوجها المقتول ام شقيقها القاتل , أم ترثى نفسها لوقوعها بين المطرقة والسندان . أم تحاج شقيقة زوجها حين طالبتها بالخروج من ديارهم .. قالت :

با ابنة الأقوام إن لمتِ فلا *** تعجلى باللوم حتى تسألى
فإذا انت تبينت الذى *** يوجب اللوم فلومى واعذلى
ان تكن اخت امرئ ليست على *** جزع منها عليه فافعلى
فعل جساسٍ على ضنى به *** قاطعٌ ظهرى ومدنٍ اجلى
لو بعينٍ فديت عينى سوى *** اختها وانفقأت لم احفلِ
تحمل العين قذى العين كما *** تحمل الأم قذى ما تفتلى

ويرى ابن رشيق ان من اشد الرثاء صعوبة ان يتعرض الشاعر لرثاء طفل أو امرأة , لضيق مجال القول وقلة الصفات . وبرغم ذلك فانه يختار مرثية من عيون المراثى فى الشعر العربي كتيها "محمد بن عيدالملك الزيات" يرثى زوجته ولها اطفال صغار يرون كل الأطفال ولهم امهاتهم ماعداهم .

قال بالغا من حد الإجادة مالم يبلغه احد :

الا من رأى الطفل المفارق امه ***بعيد الكرى عيناه تبتدرانِ
رأى كل ام وابنها - غير امه - *** يبيتان تحت الليل ينتجيانِ
وبات وحيدا فى الفراش تحثّه *** بلابلُ قلبٍ دائم الخفقانِ
فلا تلحيانى ان بكيت فانما *** اداوى بهذا الدمع ماتريانِ
وان مكانا فى الثرى خُط لحدُهُ ***لمن كان فى قلبى بكل مكانِ
احق مكان بالزيارة والهوى *** فهل انتما إن عجتُ منتظرانِ
فهبنى عزمت الصبر عنها لأننى *** جليدٌ , فمن بالصبر لابن ثمانى
ضعيف القوى لايعرف الصبر حسبـــــــــــة , ولا يأتسى بالناس فى الحدثانِ
الا من امنّيه المنى فأعدّهُ *** لعثرة ايامى وصرف زمانى
الا من اذا ماجئت أكرم مجلسى *** وان غبتُ عنه حاطنى ورعانى
فلم أر كالأقدار كيف اصبننى *** ولا مثل هذا الدهر كيف رمانى