هجم التتار
صلاح عبد الصبور


هجم التتار
ورموْا مدينتنا العريقة بالدمار
رجعت كتائبنا ممزقة , وقد حمىَ النهار
الراية السوداء , والجرحى , وقافلة موات
والطبلة الجوفاء , والخطو الذليل بلا التفات
واكف جنديٍ تدق على الخشب
لحن السغب
والبرق ينسِل فى انبهار
والأرض حارقةٌ , كأن النار فى قرص تُدار
والأفق مختنق الغبار
وهناك مركبة محطمة تدور على الطريق
والخيل تنظر فى انكسار
الأنف يهمل فى انكسار
العين تدمع فى انكسار
والأذن يلسعها الغبار
والجند ايديهم مدلاة الى قرب القدم
والأمهات هربن خلف الربوة الدكناء من هول الحريق
أو هول انقاض الشقوق
أو نظرة التتر المحملقة الكريهة فى الوجوه
زحف الدمار والانكسار
وابلدتى ! هجم التتار

فى معزل الأسرى البعيد
الليل والأسلاك والحرس المدجج بالحديد
والظلمة البلهاء والجرحى ورائحة الصديد
ومزاح مخمورين من جند التتار
يتلمظون الإنتصار
ونهاية السفر السعيد
وانا اعتنقت هزيمتى , ورميت رجلى فى الرمال
قدطرن – يا أمى – اماسينا المنعمة الطوال
وبكيت ملء العين – يا أمى – لذكرى كالنسيم
وغمائم الكلم القديم
امى .. وأنت بسفح ذاك التل بين الهاربين
والليل يعقد للصغار الرعبَ من تحت الجفون
والجوع والثوب الشفيف
والصُم والسعلاة والظَلماء تقعى فى الكهوف
اترى بكيتِ لأن قريتنا حطام ؟
ولأن اياما اثيرات تولت لن تعود ؟
اماه ! انا لن نبيد
هذا – بسمعى – صاحبٌ من اهل شارعنا العتيد
وسعال مهزوم قعيد
وفم يهمهم من بعيد بالوعيد
وأنا وكل رفاقنا , يا أمُ حين ذوى النهار
بالحقد اقسمنا .. سنهتف فى الضحى بدم التتار
اماه قولى للصغار أيا صغار
سنجوس بين بيوتنا الدكناء ان طلع النهار
ونشيدُ ماهدم التتار ..