اخي العزيز الاديب بينما انا جالس
مع شيخي الفاضل / محمد حامد القباني في درسي اليومي معه ذكرني بهذه الايه الكريمه والتي ارجو ان نستفيد منها جميعاً :

بسم الله الرحمن الرحيم :


اليوم سنشاهد تشبيهاً رائعاً يصور ذلك الذي يعتمد على غير الله، ويركن إلى العباد من دون الله، ويظن أنه قد استغنى عن الله، فيا له من جهولٍ غافلٍ، ومن ظالمٍ لنفسه قاتلٍ. يظن أنه إلى أحلامه واصلٌ، وأنه للخير سابقٌ نائلٌ، وهو لا يدعو من دون الله إلا الباطل، وما دعاؤه إلا ضلالٌ متواصلٌ، وعلى أي حالٍ فلا داعي للمقدمة، فلنقرأ الآية لنرى الصورة أمامنا ماثلة، والحقيقة واضحةً كاملةً.


يقول الله في سورة الرعد: (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ) [الرعد:14].


هذه الآية الكريمة وردت بعد أن وصف الله نفسه وبيَّن لنا قدرته وعلمه، فقال: (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ * سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) [الرعد:8-10].


إذن فهو العليم الذي لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، بل العليم بالإنسان في كل حالٍ، سواء كان في رحم أمه محمولاً، أو على الأرض راجلاً، أو في الليل والنهار سارب؛ فإنه عن ربه ليس بغائب. وكيف لا وهو الله يعلم أسرار النفوس، والإنسان بين يديه محاطٌ محروسٌ (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) [الرعد:11].


هكذا هو الإنسان محاطٌ متعقبٌ من كل جهةٍ، وكل هذا ليس إلا من أمر الله الذي له الخلق والأمر.


وبهذا فإن على الإنسان أن يسلم نفسه لربه، وأن يرغب إليه ويوجه إليه كل قلبه، فلا تتغير حياته إلى الأفضل إلا بإذن ربه، ولا يلقى الأمن والسلام إلا بطاعة ربه وحبه (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) [الرعد:11].


فالإنسان مشدودٌ مأسورٌ إلى الله، ونفسه بيد الله، فكيف تتجه نفسه إلى سواه، وهو الذي خلقه وسواه!.


وإذا كان الإنسان هكذا وضعه مع ربه الخالق الرازق، فلا مهرب له إلا إليه، ولا ملجأ له إلا له، ولا خير إلا لديه، وكيف لا والسماوات والأرض بيديه، وتدبيرها عليه (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ) [الرعد:12-13].


هكذا هو الله مسيطرٌ مهيمنٌ مدبرٌ مقدرٌ، وله كل شيءٍ مذعنٌ، لكن الناس لا يقدرونه حق قدره وهو المحسن، بل (وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) [الرعد:13]. فما أعظم غفلة الإنسان في حق ذي الجلال!.


ولهذا فإن الله ينبه الإنسان إلى مصلحته بالآية التي بدأنا بها اللقاء فيقول: (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ) [الرعد:14] أي يا أيها الإنسان إذا دعوت فادع الله فإن الدعوة إليه هي دعوة الحق التي تستجاب وهي الدعوة التي يسمعها من تدعوه، ويأتيك بما ترجوه.


ألم تفهم تلك الآيات التي سبقت قبل هذا؟ إذن فتوجه إليه وحده بكل دعاءٍ ونداء؛ تجده مجاباً ملبى؛ لأنه وحده السميع العليم الذي بيده الملك وهو على كل شيءٍ قديرٌ؛ له دعوة الحق، فلله وحده توجه تجد المنال يتحقق، وما كان محالاً يتدفق، أما إذا توجهت إلى غير الله؛ فإنك لن تجد إلا الإخفاق والإرهاق والخبال، وخيبة الآمال، وذلك وهو الضلال.


ثم إذا أردت صورةً توضح لك الحال، فاسمع إلى ربك العليم كيف قال: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ) [الرعد:14].


أرأيت الصورة؟!


أسمعت الحقيقة؟!


إن من يعتمد على غير الله، ومن يركن إلى سواه، ومن يظن أن العباد يحققون مناه؛ فإنما هو كمن يبسط كفيه إلى سيلٍ من الماء يجري في مجراه، ويلقي إلى الماء بالإشارة من بعيد ليبلغ فاه، ويرجوه أن يسمع منه نداه، وأن يلبي له حاجته ويطفئ ظماه.


فهل يمكن أن يسمع الماء الرجاء، أو يفهم الإشارة والنداء؟!


كلا، كلا. إن الماء لن يسمع له ولن يجيب عليه، ولن يبلغ إلى فم الباسط يديه، بل من المستحيل أن يلتفت الماء إليه، وما هو ببالغه لا إلى فمه ولا إلى كفيه.


هل عقلت الصورة يا أخي؟ هل فهمت الحقيقة؟


إنك تراها كل يومٍ وفي كل حالٍ، وهكذا هو من يدعو غير الله، وفي الناس يحط رجاه؛ إنه يرجو المحال، ويدعو الخيال (وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ) [الرعد:14].

وهكذا تختم الآية بهذا الختم المجلجل؛ ليفهم الإنسان ويعقل، وليتنبه الغافل وليتوجه إلى الله الذي له دعوة الحق، ليجد كل أملٍ يتحقق، وكل خيبةٍ تمزق، وكل خوفٍ يمحق، ولينعم بالسعادة والسلام، مدى الأيام، وفي هذه الدنيا ويوم القيام، وذلك هو الأمل والمطمح الأعظم للأنام، ولن تجده ولن يتحقق؛ إلا عند الله الذي له دعوة الحق.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،