الآن أقترب من وضع نهاية هذا الموضوع الذي أختصر فيه كتاب ( قصة التحلية ) الذي أصدرته المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة بذكر إنشاء بعض محطات التحلية مكتفيا بمحطة تحلية الوجه باعتبارها أول محطة تحلية تنشأ في المملكة ثم محطة تحلية ينبع باعتبارها بلدتي ومن أراد الاستزادة فليطلع على الكتاب لأن لكل محطة قصة
الوجه
الوجه اسم على مسمى فهو وجه الحجاز الشمالي وبوابته للقادمين من الشام وأفريقيا برا وبحرا تقع على ساحل البحر الأحمر وتبعد عن تبوك بنحو 350 كيلومترا
كانت الوجه تعاني من شح المياه لقلة الأمطار وندرة الآبار الجوفية واشتهرت الوجه بالصهاريج وهي مستودعات تحفر في الأرض وغالبا ما تسقف وتستخدم لتجميع مياه الأمطار واشتهرت صهاريج الوجه بكبر حجمها مقارنة بصهاريج جدة وينبع وقد ساهمت هذه الصهاريج إلى حد ما في تأمين احتياجات السكان للمياه آنذاك
إلا أن التوسع العمراني وتزايد أعداد السكان وتوافد أعداد أكبر من الحجاج مرورا بمدينة الوجه أدى إلى زيادة استهلاك المياه وقد عثرنا على وثيقة تبين كيف بلغ العطش مداه في العقد السابع القرن الرابع عشر الهجري والمعاناة الشديدة التي كان يواجهها الناس للحصول على ماء صالح للشرب وتتمثل في خطاب استرحام أرسله أهالي الوجه إلى أمير الوجه عام 1375هـ يشكون فيه حالهم من نفاذ الماء الذي في الصهاريج وتلوثه ويطلبون منه رفع طلبهم بجلب كنداسة إلى جلالة الملك عبد العزيز
وبالفعل عندما حان الوقت وتيسرت الأمور صدر الأمر بإنشاء أول محطة تحلية في تاريخ المملكة في مدينة الوجه عام 1387هـ وكانت بداية الإنتاج عام 1389هـ وكان الإنشاء بواسطة شركة " أكواكيم الأمريكية "أما التشغيل والصيانة فتم بواسطة شركة كونام سيرفس " الأمريكية .
وجرت مراسم افتتاح المحطة في حفل بهيج حضره أهالي المدينة حتى أن بعضهم لم يصدق ماحدث من تحول في مياه البحر إلا عندما رأى بعينه وتذوقه حلوا نظيفا عذبا مستساغا وذلك بنعمة الله وفضله على خلقه
المحطة عبارة عن مولدين للكهرباء بالديزل يعمل أحدهما والآخر احتياطي . أيضا هناك غلاية منخفضة الضغط لتوليد البخار اللازم لتسخين مياه البحر وقاطرة تحاية وكانت المحطة تعمل بطريقة التبخير الوميضي بطاقة إنتاجية قدرها 198 مترا مكعبا من المياه المحلاة يوميا
كانت بداية العمل في المحطة صعبة ومرهقة حيث كانت المسافة بين المحطة والبلدة خالية من أي حياة إلا من الكلاب الضالة والحشرات الضارة وكانت الطرق منها وإليها وعرة وغير معبدة لدرجة أنه كان لابد من استخدام المصابيح اليدوية في الليل وكان موظفو المحطة يجلسون في العراء تحت مظلة وهم معرضون لجميع التغيرات والزواحف الخطرة
ومما زاد التحدي أن هذه التقنية تطبق لأول مرة في المملكة ولكن الصبر والإرادة القوية وروح المحبة التي كانت تسود المهندسين السعوديين والرغبة لديهم لاستكشاف هذه التقنية مكن هؤلاء الرجال من تجاوز الصعوبات . وكان مدير المحطة منصور الطيار يعزز الجهد بدعوة الموظفين من حين لآخر مع أسرهم لرحلة في المنطقة قرب مدينة الوجه في صورة جميلة من صور التلاحم الأخوي والأسري .كما كان الأستاذ منصور يتخذ مكانا قريبا من المحطة اعتاد أن يجلس فيه بين المغرب والعشاء يحتسي الشاي والقهوة مع الموظفين ويتبادل الأحاديث الودية معهم فيضفي جوا أخويا مميزا ويتخذون من التعاون شعارا
وكانت العائلات في مدينة الوجه رجالا ونساء وشيوخا وشبابا يزورون المحطة لمشاهدة الآلات والمعدات فتبدو على ملامحهم الدهشة
وما زالت محطة الوجه تتذكر بكل الحب والتقدير أولئك الرجال الأفاضل اصحاب العقول الجبارة الذين أداروا دفتها بكل صدق وإخلاص وهم كثر وحصرهم مطلب ومنهم المهندس أفضل خان ومنصور الطيار وعبد الرحمن المحمدي وعبد الله الحجوري وعماد الحجير وأحمد العبسي وأخيرا المهندس سالم أبو سالم الذي يتولى دفة القيادة حاليا .
يتبع إن شاء الله
( قصة التحلية في ينبع )
المفضلات