- قنوات "إم بي سي" لا تقدم برامج غير لائقة، بل تنفق ملايين الدولارات وتعتمد على دراسات لأذواق الناس.
- يا هيئة الاستثمار لسنا بحاجة إلى استثمار أجنبي لا يخلق وظائف للسعوديين.. فلا توهمونا بأن مشاريع الدولة من صنعكم.
- قريباً سأبتعد عن برنامج واجه الصحافة أو الثانية مع داوود.. لأنني أخاف من ملل الناس.
- الكتابة المحلية تمنحني ربع رغيف فقط.. أما في الشأن العربي فأحصل على "تميس" كامل.
- محبو الحكم على ظهر دبابات حلف "الناتو" لقبوا قناة العربية بالعبرية بعد أن هزمتهم.
- المجتمع العربي صار حطباً رخيصاً للدعاية السياسية.
- عيب الصحافة السعودية التصرف على أساس أنها جزء من الدولة.
شقران الرشيدي- سبق – الرياض:
عندما يطل داوود الشريان محاوراً متمكناً عبر الشاشة، أو حينما تسمع صوته "يرتفع" عبر المذياع، أو عندما يصوغ كلماته الجريئة في الصحافة.. تشعر بألفة من نوع خاص مع هذا الإعلامي السعودي المتفرد الذي يتحدث بلساننا العامي، ويعبر عن همومنا بصدق، ويقاتل من أجل حقوقنا وآمالنا.
والشريان الذي كان قدره منذ أكثر من 35 عاماً المواجهة الصحفية مع الأخطاء والتخاذل والزيف، استحق لقب "كبريت الصحافة السعودية" لأنه في كل عمل تولاه قدم نموذجاً وطنياً صادقاً للإعلامي الناجح الصاخب الذي يمثل بذاته عملاً فنياً متكاملاً، كلما رأيت منه جانباً اكتشفت جمالاً جديداً.
بقي أن نشير إلى أن الشريان بقدر ما نفعه الإعلام وأبرزه، إلا أنه عرّضه لكثير من نصال الظلم والتجريح من أطراف عدة.
في حواره مع "سبق" منحنا كعادته الفرصة الكاملة لمحاكمة قناعاته، والتعرف على أفكاره دون مواربة أو تزييف، إلا أنه امتنع عن إجابة بعض الأسئلة لأنه دائماً يعطي بصدق ويمنح بإخلاص ويفترض الثقة في الآخر.
وفيما يلي نص الحوار:
* دعني أبدأ معك الحوار بالسؤال التالي: نصح صحفي سعودي عريق أحد الصحفيين المبتدئين قائلاً له: "إن أردت أن تكون صحفياً لامعاً، وإعلامياً محترفاً بحق، فكن كداوود الشريان".. يا ترى ماذا يقصد بذلك؟
- في السؤال تمهيد لإجابة تقف أمام خيارين ليس إلا.. فإما أن تكون وجبة غرور تضج بالأنا، وإما سأجيب بتواضع كلاسيكي يستند إلى الكليشيهات.. والحالتان لا تعبران عن داوود الشريان. بصدق أقول: أحرجني هذا السؤال، فأرسلته إلى صديق عزيز جداً، وطلبت منه المشورة، فرد علي بهذه الإجابة: "أن تكون صحافياً لامعاً ومحترفاً كن كداوود الشريان.. أعرف داوود الشريان بشكل كاف، ولذلك وعلى الرغم من إيجابية العبارة، فبرأيي أنه سيرفضها.. داوود الشريان لا يقبل التقليد ولا تلبّس الشخصية الإعلامية.. هو أسير تفرده في الكلمة كاتباً، وفي الإذاعة مقدماً ومحاوراً ومباغتاً، وعلى الشاشة صحافياً قبل أن يكون مذيعاً.. هو الشخص نفسه الذي يلعب دور رئيس التحرير في الإعلام الحديث، في أحد أكثر المواقع الإلكترونية العربية شعبية "العربية نت".. في أوقات فراغه هو قارئ نهم للشؤون العربية والدولية، وناقد أدبي من دون أن يقصد ذلك.. زاويته اليومية في الصفحة الثالثة من جريدة "الحياة" هي من الزوايا النادرة التي تملك قدرة فرض نفسها على أي صفحة من الجريدة.. لا تغرق تلك المقالة في التحاليل السياسية فقط، ولا بشؤون المجتمع فقط، ولا بقضايا محلية فحسب، ولكنها تشبه هدية يومية لقارئها، يفتحها صباحاً ليكتشف مفاجأة مضمونها، فضلاً عن أنها تتميز بجمل قصيرة، مباشرة وسهلة، وتصل المعنى بأقل الكلمات. هذا التنوع الذي يملكه داوود الشريان يميزه شيء آخر لا يعرفه عنه إلا أصدقاؤه.. فهو لا ولن يعترف بكل ما أوردت سابقاً! هذا ما يجعل داوود الشريان صحافياً حقيقياً لا ينتبه إلى ما أنجز في الأمس على مسار الإعلام، بل امتحانه الدائم هو مقاله غداً، وصفحة "النت" بعد دقائق، وحلقة الأسبوع المقبل، والبث المباشر غداً. في رأيي لو أراد داوود صياغة النصيحة التي وردت في السؤال لقال: "إن أردت أن تكون صحافياً لامعاً كن نفسك الحقيقية". وبعد، فرغم اعتزازي الشديد برأي الصديق، وهو بالمناسبة صحافي لبناني، أجد أن العبارة الأخيرة في إجابته هي بيت القصيد, من أراد أن يكون صحافياً متميزاً عليه أن يكون هو نفسه.
* حسناً دعني أجرب الصراحة معك (أبا محمد).. ألا ينتابك التعب من كثرة أدوارك الإعلامية الحالية (مقدم برنامج تلفزيوني واجه الصحافة، مقدم برنامج إذاعي الثانية مع داوود، كاتب مقال يومي في جريدة الحياة، نائب مدير - عام قناة العربية، مدير عام مجموعة إم بي سي في المملكة، رئيس تحرير موقع العربية نت).. هل يسمح لك بالتضحية ولو بواحد أو اثنين منها؟
التضحية بأحد الأدوار طُرحت عليّ سابقاً، وقلت إنني ربما ضحيت ببعضها، لكني مع الوقت أصبحت أتعامل معها باعتبارها دوراً واحداً، ولكل هدفه وجمهوره، ولونه.
وفي مهنة الصحافة والإعلام أجد أنه لا تناقض بين هذه الأدوار، فضلاً عن أنني بفضل الله، أمتلك القدرة على ممارسة كل هذه الأدوار وبمتعة. لكن ثمة اعتراض من بعض المتخصصين، هو أن كثرة التركيز والظهور، تفضي إلى ملل الناس، وأنا أحترم هذه النظرية، ولهذا ربما تخليت قريباً عن أحد هذه الأدوار.
المفاضلة الآن بين برنامج الثانية مع داوود في الإذاعة، أو برنامج واجه الصحافة في التلفزيون.. ربما سمعت في الأيام القريبة عن شيء من هذا.. أقول ربما.
* يتردد أن برنامج الثانية مع داوود هو المرشح للتوقف بسبب شكوى كثير من المسؤولين من نقده المباشر للجهات الحكومية؟
- هذا ليس صحيحاً.. لن يتوقف البرنامج بل الجميع يطالب باستمراره بما فيهم بعض المسؤولين، لأنه يناقش قضايا المواطنين والمجتمع ولا يهاجم أحداً لذاته، بقدر ما يمارس النقد البناء الهادف للمصلحة العامة. وقد يمدد وقته إلى الثالثة والنصف بدلاً من الثالثة.. وصدقني لا يواجه البرنامج أي إشكاليات بل يجد كل ترحيب والاستجابة من كافة المسؤولين لحضور البرنامج، وهذا دليل على نجاحه وقبوله.
* ماذا يعني عندما يتردد همساً أن داوود الشريان "كبريت الصحافة السعودية" تحول إلى رجل مطافئ خبير في إخماد الحرائق؟
- لم يعد هذا الوصف همساً، كثر هم من يقولون ذلك. مسيرتي بدأت عملياً عام 1975م، كنت شاباً صغيراً، واليوم تجاوزت الخمسين. ربما أن للعمر وهدوء اللغة، وإن شئت نضجها، تأثيراً كبيراً. وبالمناسبة، الزميل عمر المضواحي هو الذي لقبني بـ "كبريت الصحافة السعودية" وقال في مقدمة حوار في "الشرق الأوسط" نُشر قبل سنوات: "يصفه المقربون بأنه كبريت الصحافة السعودية. يشتعل لحظة أن يتجرأ أحد ما على مس حدودها المقدسة، عندما خرج قطار هيئة الصحافيين السعوديين عن مساره الصحيح، هاج وماج، وحمل أعواد الثقاب ليلقيها من دون أن يرف له طرف في عربات القطار. كان يبدو في أوج خيلائه وهو يردد غطاريف غضبته مبشراً بالانتصار. لم يجرؤ أحد على تقليده.. ومن يفعل كان يدرك أنه يسوق نفسه إلى عملية انتحارية. اليوم تغير الحال.. قرر الكبريت "داود الشريان" أن يتخلص من شهوة النار. خلع ملابس الحرب وتسربل فجأة بقلنسوة رجل المطافئ!".
لا شك أن الزميل عمر المضواحي أحسن وصف "الكبريت". لكنه لو عاد اليوم لهذا النص، وحاول معاودة صوغه، فلربما أنصف "رجل المطافئ"، مثلما أبدع في وصف الكبريت.
* في أحداث كارثة سيول جدة، طالبت بمحاكمة الصحافة والصحفيين.. على ماذا بنيت حيثيات اتهاماتك لهم؟
- أتذكر أنني قلت في أحد مقالاتي تعليقاً على تشكيل لجنة التحقيق في سيول جدة: "إن هذه اللجنة ستدخل التاريخ إذا وضعت الصحف والصحافيين على قائمة من سيشملهم الاستدعاء والتحقيق. فبعض الصحف والصحافيين كان مسؤولاً عن التدليس ونشر أخبار غير حقيقية، وتضخيم مشاريع وهمية، ومثلما أن القانون يعاقب الصحافي الذي ينتقد أجهزة الحكومة بطريقة غير قانونية، يجب أن يعاقِب القانونُ الصحافيَّ الذي يكذب على الرأي العام، ويزيف وعي الناس بالدعاية والنفاق. إذا استطاعت هذه اللجنة أن تحاكم بعض الصحف والصحافيين بتهمة التدليس على الرأي العام، فإنها ستقضي على نصف الفساد، وتعيد الصحافة إلى دورها المفترض".
أعتقد أن مضمون المقال يحمل الإجابة.. الغش مثل الكذب.
* بحكم منصبك في مجموعة الـ "إم بي سي" لماذا يُعتقد أن المجموعة تقدم بعض البرامج والمسلسلات التي قد لا تتفق مع ثقافة المجتمعات العربية وعاداتها المحافظة؟
- هذه تهمة بلا سند. صارت عبارة يرددها الناس عن بعضهم من دون تمحيص، مجموعة "إم بي سي" تعتمد برامجها على دراسات لأذواق الناس وتوجهات المجتمعات، وتنفق ملايين الدولارات على الدراسات. لكنها تدفع ثمن جلوسها في المقدمة. وهي تدير عشر قنوات، وهذا مدعاة للخطأ، ونحن لا ننكر ذلك. لكنها في النهاية تتوجه لكل العرب، ولهذا يصعب تقييم مضمونها من وجهة نظر فئة أو بلد.
* باعتبارك نائب المدير العام لقناة العربية.. ما السبب الذي دفع بعض العرب لإطلاق لقب (العبرية) عليها، وهل فعلاً معظم القنوات الفضائية الإخبارية العربية تسير من دون هدف محدد؟
- ما يسمى باليسار العربي، الذي أصبح بعض رموزه يطالب اليوم بالتدخل الأجنبي، ويريد أن يصل إلى الحكم على ظهر دبابات حلف "الناتو"، وبعض رموز تيار الإسلام السياسي، الذي يسعى إلى السلطة باسم الدين، هم من أطلق هذا الوصف، وهذا دليل على أن "العربية" هزمت الإعلام الموجه.
* كرئيس لتحرير موقع العربية نت.. إلى أي مدى أثرت الصحافة الإلكترونية في المجتمع وأصبحت قادرة على صياغة رأي عام تجاه قضايا معينة؟
- التأثير بات يقاس بسعة الفضاء.. "شايف السماء شو كبيرة؟" بحجمها. الصحافة الإلكترونية هي المستقبل، خطفت الساحة، والمعركة ستنتهي لصالحها في التعبير عن الرأي العام قبل أن تطلع شمس يوم قريب. وحجم التصفح والتفاعل مع "العربية نت" وصحيفة "سبق" الإلكترونية مثلاً، خير دليل على هذه القدرة.
* في الشأن المحلي، وعلى الرغم من كثرة أجهزتنا الرقابية.. لماذا عجزنا عن محاربة البيروقراطية والفساد اللذين يكبلان أداء مؤسساتنا الرسمية؟
- نظامنا الإداري قديم، ونحن أمة شابة، 60 % من المجتمع السعودي اليوم من الشباب، وهذا الجيل تجاوز نمط الإدارة الذي نعمل به. وأعتقد أن مجلس الشورى تجاهل هذه القضية، وإن شئت تعامل معها بالتجزئة. لكن مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم يفتح الأمل. التعليم هو مدماك التغيير. الأمم المتطورة هي التي تمنع نظام التعليمي من التثاؤب فضلاً عن النوم.
* الاستثمار الحقيقي الذي نريده هو أن نأتي بشركات أجنبية كبيرة لها رؤوس أموال ضخمة، توجد فرص عمل كثيرة لشبابنا وتضيف قيمة لاقتصادنا الوطني.. أليس كذلك؟
- وضعت يدك على الهدف الأهم للاستثمار الأجنبي، وهو ما لم يتحقق لدينا. فلو أردنا أن نتحدث عن الاستثمار الأجنبي فإن السؤال الأول الذي يجب أن يطرح على الطاولة هو: ما القيمة المضافة للاستثمار الأجنبي في المملكة؟ لأن الهدف الأهم للاستثمار الأجنبي في كل دول العالم هو خلق وظائف للمواطنين والمواطنات. والهدف الثاني هو جلب رؤوس الأموال، وحاجة الدول لهذا الهدف تختلف بحسب ملاءتها المالية. والهدف الثالث هو جلب الخبرة، وهو ما يسمى باللغة الإنجليزية "نو هاو". فإذا تأملنا ما تقوم به هيئة الاستثمار سنجد أنها حتى الآن لم تحقق الهدف الأساسي لنا كمواطنين سعوديين. وفي بلاد مثل أوربا وأمريكا فإن معيار نجاح الاستثمار الأجنبي يقاس بحجم الوظائف التي سوف يؤمنها للمواطنين. ولعلنا لا ننسى أن الرئيس بل كلينتون حين حضر توقيع عقد شراء طائرات مدنية للخطوط السعودية من "شركة بوينج" قدّم للشعب الأمريكي عدد الوظائف التي سيوفرها هذا العقد للمواطنين. لم يكترث الرئيس بحجم المبلغ، بل بالقيمة المضافة منه. ناهيك عن أن الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة الأميركية وفرت خلال السنوات الأربع الماضية فقط 600 ألف وظيفة للمواطن الأميركي، وهيئة الاستثمار أعلنت قبل 4 سنوات عن خمسة آلاف وظيفة، وتبين أنها عبارة تسويقية غير حقيقية. ونحن هنا نسأل عن عدد الوظائف الفعلية التي خلقها الاستثمار الأجنبي، ونوعيتها. ونريد شفافية بحيث تضع هيئة الاستثمار على موقعها أسماء الشركات المرخصة ومجال عملها، وجنسيات وأسماء وخبرات ملاكها، وعدد العاملين فيها وجنسياتهم، لنعرف بالضبط عدد الوظائف التي يجرى الحديث عنها في المنتديات والبيانات ومهرجانات التنافسية، حتى يستطيع المواطن الذي يبحث عن وظيفة الذهاب إليها. ولسنا ضد الاستثمار الأجنبي، لكن إذا كان لا يخلق وظائف للسعوديين فلسنا بحاجة إليه، ناهيك عن أن كل المشاريع الهامشية التي رخصت خطفت وظائف من أيدي المواطنين. الفائدة، أو القيمة المضافة الثانية، هي جلب رؤوس أموال للبلد. وهذا الهدف ليس أولوية بالنسبة للمملكة، فنحن دولة مصدرة لرأس المال، والسؤال الذي يطرح هنا، هو لماذا لا نسعى في البداية إلى جذب رؤوس الأموال السعودية التي تحسب ببلايين الدولارات، وتستثمر في الغرب، وفي الدول العربية، قبل أن نفكر في فتح أسواقنا لمستثمر مغامر بنصف مليون ريال يفتح ورشة نجارة، أو مطعم ويوظف عمالاً أجانب من أبناء جنسيته، ويخطف الفرص من الشباب السعودي، فضلاً عن أن دخل هذه الأعمال الهامشية يذهب خارج البلد؟ القيمة المضافة الثالثة، هي جلب الخبرة "نو هاو" ونحن حتى الآن لم نر أن هيئة الاستثمار جاءت بشركات مقاولات عملاقة، أو شركات يابانية لتوطين التقنية، وكل ما نراه مما يسمى استثماراً هي مجرد أعمال سهلة لا تحتاج إلى خبرة ولا تضيف لنا أي معرفة، إلا إذا كانت هيئة الاستثمار تعتقد أن مشاريع أرامكو وسابك، وأكسون موبل وغيرها من المشاريع التي صنعتها أجهزة الدولة، من صنعها.
وليس سراً أن هيئة الاستثمار أوهمت البعض بأن مشاريع أجهزة الدولة من صنعها، من خلال إصدار حجم الاستثمارات من تدون تفصيل.
إن اعتراضنا على هيئة الاستثمار هو أنها تتحدث عن قيمة مضافة وهمية. وهي فتحت البلد لاستثمارات طفيلية نتائجها عادت علينا بالنقص وليس الإضافة.
* في ما يتعلق بالمشاريع التنموية وتعثر بعضها رغم توفر الإمكانات المادية والبشرية.. ما أسباب ترسية المشاريع ذات الميزانيات الكبيرة على جهات معينة لا يمكن تجاوزها؟
- هناك أجوبة كثيرة على هذا السؤال، أقلها ضرراً علينا: أنت وأنا، إنه لا يوجد جهاز واحد يتولى إدارة المشاريع. لكن هذا الجواب ليس عذراً أن نجعل قطاع المقاولات محتكَراً من 3 شركات. أليس في البلد إلا هذا الولد؟
* من أوائل التسعينيات الميلادية حتى أواخرها، ما الذي سقط سهواً من عمر المجتمع العربي؟
- حرية الفرد، تعدد الآراء، والاحتفاء بالفن والثقافة. استبدت بنا الشعارات، خرجنا من الواقع، ودخلنا التاريخ، وبعضنا لم يخرج حتى الآن. نسينا التنمية، ورفاهية الإنسان. صرنا حطباً رخيصاً للدعاية السياسية.
* في عمودك الصحفي بجريدة الحياة (أضعف الإيمان).. غالباً ما تكرر نفسك سياسياً في بعض الأفكار. هل هاجس السياسة يطاردك باستمرار ولا فكاك منه؟ وبالتالي لا يعنيك الشأن المحلي كثيراً؟
- الأحداث التي تعيشها المنطقة تتكرر، وتجذبني معها. لكن أشهد أن التعليق السياسي الذي أكتبه في "الحياة" منذ عام 1997، أفسد حس السخرية في مقالاتي، وغيب عني الشأن المحلي، وإن كان هذا الأخير يجبرني على الابتعاد عنه، بحكم أنني لا أستطيع الكتابة فيه على طريقة "ولكن"، فضلاً عن أنني أقبل فيه بربع رغيف في حين أن الكتابة في الشأن العربي العام تمنحني رغيف "تميس" كاملاً، وفي بعض الأحيان ساخناً، خرج للتو من الفرن.
* في دوائر السياسة العربية.. لماذا يراك البعض تحرض على الثورات وعدم الاستقرار في بعض البلاد العربية؟
- مثل هذا السؤال يُطرح على غيري، وأنا على عكس ما تقول تماماً. لم أكتب مقالاً واحداً يدعو للتحريض. بل إن هناك من اتهمني بعدم فهم ما يجري، وربما خونني. خوفي من التدخل الأجنبي جعلني شديد الحذر من التماهي مع الثورات المتوالية، وكأنها فصول في مسرح اللامعقول، فضلاً عن أنني وقفت عام 2003 مع التدخل في العراق، وأنا الآن أحاول التكفير عن ذنبي. وموقف بعض النخب العربية، وإن شئت ما يسمى "اليسار العربي"، من قضية التدخل الأجنبي لتغيير الأنظمة بالقوة، محيِّر. هؤلاء عاشوا عقوداً يتحدثون عن خطورة الاستعمار المعنوي، فأصبحوا اليوم يخوّنون مَن يدعون إلى رفض الاستعمار العسكري، رغم أنهم قبل عقدين من الزمن أثاروا جدلاً وصل إلى عنان السماء خلال الاستعانة بقوات التحالف لإخراج صدام من العراق، وتحوّل التدخل الغربي في ليبيا في عرفهم إلى قضية مختلفة.
وفي آخر مقال لي بعنوان "أين جماعة ولكن" قلت: التدخل في ليبيا لن يختلف عن التدخل في العراق، ومن يقرأ بعض الصحف الفرنسية والأوروبية سيجد أن النقاش حول دور "الناتو" في ليبيا لا علاقة له بالحرية والديمقراطية.
* بعض المثقفين والإعلاميين يعيشون بمفهوم الصعاليك، وفي الوقت ذاته يفكرون بأسلوب المثقف الواعي.. فهل يمكن أن تجتمع الصعلكة والوعي في رأس واحدة؟
- لا.. لكن ثمة صعلكة فنية مقبولة. والكتابة وعي كامل، فضلاً عن أنها صنعة، أحياناً يتصعلك الكاتب، بمعنى يكتب بخيال الصعاليك وتمردهم، لكن الكتابة الصحافية الملتزمة والمباشرة ليست خيالاً ولا تحتاج إلى صعلكة.
* إلى أي مدى تعتقد بوجود عزلة على مستوى العلاقات والفكر بين المثقف والمجتمع؟
- الجيل الجديد في طريقه لإلغاء هذا السؤال. لقد هدم جدار العزلة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وفرض تعريفاً للمثقف، وقريباً سيعاود صوغ المجتمع.
* إن كان للقلم مزالقه.. فهل العلة في الأقلام أم في من يقرأها أم في من يمسكها ويكتب بها؟
- ليس في الأقلام علة. ناهيك أن الكتابة بالأقلام صارت من الماضي. مزالق الكتابة لا تحتاج إلى خبير. ثمة مزالق مقصودة، بعض الكتاب ينزلق وهو يدري، ويدري أنه يدري. وآخر يقع من حيث لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري. لكن أسوأ المزالق تفسيرات الرقيب، حين يحاسب النص بالنيات.
* ما عيب الصحافة السعودية الكبير الذي لم تستطع التخلص منه حتى الآن؟
- ترهل النص والإنشائية، والتصرف على أساس أنها جزء من الجهاز الحكومي، وتحويل نشرات العلاقات العامة إلى أخبار، وغياب التدريب. وتعجل الشباب الحصول على ألقاب قبل الوقت.
* ماذا تقول لهؤلاء:
معالي وزير الثقافة والإعلام؟
- وزارة الإعلام ينبغي أن تعين على نوائب الحق. وعوضاً عن أن تضع لجنة للتحقيق في مبناها، وتستلم الدعاوى وترسلها إلى الصحافيين من دون أن تسأل، عليها أن تدافع عن الصحفيين ضد أولئك الذين أصبحوا يرفعون شعار "أخرجوا الصحافيين من جزيرة العرب". وتضع محامياً بدلاً من لجنة. بالمناسبة عبارة "أخرجوا الصحافيين.." سمعتها من الزميل خلف الحربي، ووردت في مقال له كُتب ولم ينشر دفاعاً عن صحافي رفعت علية هيئة الاستثمار قضية بدعوى أن مقالاته تضر بمصالح المملكة الاقتصادية.
الشيخ أبو عقيل الظاهري؟
- عفا الله عما سلف يا أبا عقيل.
وزير العمل؟
- أخشى عليك من المشاريع التي يبدو عرضها مبهراً، والحديث عنها مثيراً، لكن نتائجها في علم الغيب.
قينان الغامدي؟
- أنت ستبدأ رحلة في قطار الورق، في زمن بدأ الناس فيه يطيرون بلا أجنحة، ومحمد عبده قال قبل سنوات: "ويش أسوي بالورق". قلبي معك. أعانك الله.
مواطن سعودي ما؟
- لا تيأس. لا تمل. فُرص العمل والإنتاج تأتي بالإصرار والعزيمة، و "من أصبح أفلح".
تاجر سعودي؟
- وظّف السعوديين. كف عن ترديد الكليشهات عن الشباب السعودي. الأجانب يوظفون أبناء جلدتهم، وأنت تتوارى عن المسؤولية.
* ما معايير العمود الصحفي الناجح؟
كلمات قليلة، تناول مختلف، قنص الفكرة وليس قتلها، جملة قصيرة، لغة مباشرة، البعد عن الأنا.
* هل ندمت قط على مقال كتبته؟
نعم. لعلي أجد وقتاً وأكتب عن مقالات ندمت أني كتبتها.
المفضلات