قطب الدين المكي (زار ينبع مع الركب المصري سنة 965هجري) نقل عنه حمد الجاسر رحمه الله قوله:ينبع بها خيوف خرب أكثرها ,وهي ولاية مستقلة يوليها صاحب مكة من أراد..وحول ينبع عيون كثيرة يقال انها 50 عيناً او اكثر
محمد عبدالقادر الحنفي له وصف دقيق لينبع في زمانه كما نقل حمد الجاسر من مخطوطته:
الينبوع وهي منزلة متسعة يوجد فيها غالب مايحتاجه الانسان من اللبن والتمر والزبد والعجوة والبطيخ الاصفر والزروع والمرعى والخضار والباذنجان واللب والريحان والحطب فيها قليل ويوجد في المنزلة غبار وشعث كثير وعقارب سود مؤذية. ويشتري فيها الحجاج الطيب والبخور وفيها يدبغ الأديم ويشترى منها ,ويودع الحجاج فيها الودائع ,وفيها عيون وماء تجري وحدائق ,وفيها اقامة سلطانها وهو شريف,وبالقرب منها جبال صغار وورائها جبل عال يعرف برضوى ,وارضها رملية وينصب فيها سوق كبير للسوقة وآخر للتجارة.وحياض الماء تضرب على طول العين الخارجة من المدينة بالقرب منها .واهلها أجواد يحبون الحجاج ويفرحون بهم ويطلبون منهم خيط الخياطة والابر ويتدوون بزادهم,وغالب ماتكون الاقامة بها في الذهاب اربعة ايام.
بعده بخمس سنوات عام 970هجري في 15 من ذي القعدة هبت على الحاج رياح سموم حارة ومن حسن حظ الركب المصري انه كان في ينبع , اما الركب الشامي فكان في طريقه للمدينة المنورة فمات فجأة 40 نفرا وسقط امير الحج في محفته مريضا من ضربة الشمس وهلك كثير من الجمال ونزل الركب المصري في النخيل والحدايق فسلمهم الله من السموم.
الشيخ محمد البكري(ت 1028هجري):الينبوع: أول بلاد الحجاز في الذهاب وآخرها في الرجوع، به حدائق ونخيل وعيون بين زروع تسيح وتسيل، وكان به سور منيع وجامع مفرد وسيع، وبيوت فسحة الرحاب، فآل أمرها إلى الخراب، وبه الآن سوق للحجاج يأخذون منه الذخيرة عند الاحتياج، وبه أفران وحيتان كبار، وعشش تسقى فيها القهوة من أيدي الجوار، قال الشاعر:
حَبــذا بَنْــدرُ ينبُــوعٍ ومــا
في رُبـاهُ مـن رِيـاضٍ وعُيـونْ
وسُقــاة مــن مِلــاحٍ نُهَّــد
يَصْرَعَنَّ الصب ِمْن نبْـلِ العيُـونْ
فارتَحِلْ عنهن واذهَـبْ وانتصِـحْ
فـإذا خَالفـتَ أذْهبْـتَ العيُــونْ
وجميع تلك الأسواق خارجة عن المساكن، ويعم نفعها الساكن والظاعن، فنصبنا بهذا البندر (يقصد المحطة او القلعة) الخيام، وأقمنا به ثلاثة أيام، ومدة السير إليها سبع عشرة ساعة في العدد محررة في ميقاتها صحيحة السند، انتهى كلام الشيخ البكري رحمه الله.
–
العياشي هو حقاً شيخ الرحالة المغاربة لدقة ملاحظته وتوسعه في البحث وقد وصف ينبع في زمانه (1072هجري-1662م) بقوله:
. وجئنا إلى بلد الينبوع ظهراً واستبشر الناس بقدومها لأنها أول بلاد الحجاز العامرة، وفيها قرى كثيرة ومزارع ونخيل وعيون جارية، وفيها عامل لأمير مكة السلطان زيد.
وقد أخبر بعض من طلع مع وادي الينبوع أن عمرانه متصل نحو ثلاثة أيام، والقرية التي ينزل بها الركب(قلت يقصد العشيرة) هي آخر القرى التي من ناحية البحر وليس بعدها إلا ينبوع البحر الذي هو المرسى، وغالب أهل القرى يأتون إلى هذه القرية التي ينزل بها الحاج للتسوق، وتعمر هناك سوق كبيرة يوجد فيها غالب المحتاج وتجلب إليها البضائع والسلع ذوات الأثمان، ويجلب إليها من الثمار والفواكه والحبوب والفول شيء كثير. وكان نزولنا بها في أول وقت جذاذ النخل، وأكلنا بها رطباً جيداً وبتنا بها ليلتين ريثما أصلح الناس من بعض شأنهم وأخذوا من العرب أكريتهم التي بعثوها من المويلح، وكان الكراء منه إلى هنا بسبعة قروش ونصف، ومن مصر إلى المويلح سبعة قروش وثلث.
وأدركنا المصري (قلت كان الركب المغربي يتأخر عن المصري بيوم واحد لتخفيف الزحام على الدرب) هناك وبتنا معه ليلة ثم ارتحل وبتنا وراءه ليلة أخرى، وهناك وجدنا أخبار مكة والمدينة وسائر بلاد الحجاز وتعرفنا خبر رخصها وغلائها، وخصبها ويبسها، ومن هناك تجلب الميرة إلى المدينة؛ فإن السفن الجالبة للطعام من مصر ما كان منها إلى المدينة يرسي بينبع البحر، وما كان منها لمكة يتجاوز إلى جدة، فإذا وصل الطعام إلى الينبوع حمل منه إلى المدينة، تحمله أعراب تلك الناحية من بني سالم وجهينة ويتدركون بالطريق من هناك إلى المدينة، وقد خزن الناس هنا أيضا من الفول والزاد ما يحتاجونه في الإياب. وأكبر جبال تلك البلاد جبل رضوى، وهو المشرف على بلاد الينبوع، وليس هو الجبل الصغير الذي بجانب الينبوع، بل هو الجبل الكبير المشرف عليه، وإلى هذا البلد كانت غزوة العشيرة من غزواته، صلى الله عليه وسلم، ومسجد القرية الآن هو مسجد العشيرة المعدود في المساجد التي صلى فيها صلى الله عليه وسلم. قال السيد السمهودي ما نصه: ومسجد العشيرة معروف ببطن ينبع، وهو مسجد القرية التي ينزلها الحاج المصري. ولابن زبالة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، صلى في مسجد ينبوع بعين بُولا قلت: وعنده أيضا عين جارية لكنها لا تعرف بهذا الاسم، وقد دخلنا هذا المسجد وتوضأنا من هذه العين، وكان نزولنا تحت القرية، وجعلنا خباءنا تحت المزارة التي على التل المرتفع، وقد تقدم أنها لأبي الحسن النفاتي. وفي الينبع أيضاً قبر الحسن المثلث فوق القرية ولم نصل إليه لبعده، وزرناه من بعيد. وفي هذا البلد موطن طائفة من الأشراف، ومنهم شرفاء بلدنا القاطنين بسجلماسة.
ثم مر بينبع حاج ورحالة مشهور هو عبدالغني النابلسي في ظروف استثنائية سنة 1105
ركبنا مع الشريف (سعد بن زيد) الى ان وصلنا الى قرية من قرى ينبع النخل تسمى سويقة من منازل بني ابراهيم اخي النفس الزكية وقد وجدناها خالية ليس بها أحد وقد رحل أهلها وخرجوا على الشريف سعد بن زيد لانهم حالفوا قبائل حرب فذهبوا معهم يساعدونهم على قتاله.
وهذه القرية فيها ماء جار ونخل كثير وكان له حمل كثير هذه السنة والعراجين بعد مانضج بسرها فجلسنا على حافة ذلك الماء الجاري وشربنا القهوة مع الشريف وولده.وقد أمر حفظه الله بحرق بيوت القرية وانا لنرى النار تتأجج في جدرانها التي من اخشاب النخل اليابس والهواء يزيدها نأججا والتهابا ,وقد امر بقطع النخيل فيصعد العبد الأسود الى اعلى النخلة فيقطع جمارها وعراجينها ….الخ
جهنيةٌ كريمة
اكثر مايستهويني من قصص الكرم هو الكرم من شخص فقير او بسيط الى عابر سبيل لا يرجو فائدته,وهي عندي اعظم من القصص التي تروى عن شيوخ القوم او امرائهم لأن هؤلاء قادرين وعن السمعة باحثين.
ومن قصص الكرم الفطري التي اعجبتني مارواه النابلسي في طريق حجه وقد قرب من ينبع:
فلما اصبحنا يوم الاثنين..ركبنا وسرنا على بركة الله تعالى وقد نفد زادنا ونقص مرادنا ولم يبق معنا ما يمضغ او يساغ وما على الرسول الا البلاغ ,……….الى ان صار ضحوة النهار فشرفنا من بعيد على بيوت من الشعر لعرب نازلين في مكان يسمى النباه..ونزلنا على العرب مؤذنين بالسلام فاذا هناك امرأة من جهينة وبنوها صبية صغار في ذلك الحي متفرقين فقلنا هاهنا يحصل المرام وعند جهينة الخبر اليقين فلما استقر بنا المكان قامت المراة الى نار اضرمتها وتلك الصبية جمعتها وجاءت الينا ورحبت بنا واعتذرت لنا بغيبة رجالها..واجلستنا في بيوت الشعر ثم عملت لنا القهوة وصنعة الخبز على طريقة اهل البر والبدو .وجاءت لنا بشاة وقالت اذبحوها,وطبختها لنا وقدمتها بين يدينا مع الخبز ….الخ
الرحلة الناصرية (حج 1109 ثم 1121هجري)
لما قربنا من ينبوع النخل تأخر كثير من الصعاليك فخرج عليهم المحاربون وجردوا صعلوكا فصاحوا فرجع عليهم بعض الحجاج فهربوا وجلسوا تحت احجار ورموهم بالبنادق
يقول ابن ناصر عن مسجد العشيرة:قد دخلت هذا المسجد وقِلْنا فيه حتى صلينا الظهر والعصر وتوضأنا من هذه العين وعليها نخيل ملتفة …..ثم لما عاد ابن ناصر للحج مرة اخرى في سنة 1121 قال يبس ماء العين وانهدم بعض سقف المسجد وذبلت النخيل
——————
الدرعي وصل ينبع 27-11-1196هجري ولكنه لم يتمكن من التنزه في ربوعها لأنه “لما عزمنا على الجولان في تلك العرصات …قامت نائرة (هوشة) بين الركب والأعراب” ولكنه أعجب بالحبحب الحجازي وقال :وبها كالحجاز دلاّع,أحلى دلاع يوجد وأطيب ولا ينقطع عن الحجاز صيفاً ولا شتاءً الا في سنة الجدب والعام الأشهب,يسمى لديهم الحبحب وهو مع ذلك يصلح للتداوي حسبما جربه أهل الطبايع!!.
في القرن الثالث عشر ومابعده بدأت ينبع النخل تفقد أهميتها وأصبح درب الحج المصري يعتمد أكثر وأكثر على السفن من السويس الى ينبع البحر أو مباشرة الى جدة.وبدأت ينبع النخل تختفي من كتب المدونين واشتهرت ينبع البحر أكثر منها,لكن في ذاكرة الحج الاسلامي عبر أكثر من عشرة قرون فإن لينبع النخل ذكريات لا تنسى.
————–
فريق الصحراء زار ينبع 14ذو الحجة 1430هجري:
يوميات الرحلة
وصلنا الى ينبع النخل حوالي الثامنة صباحا ودرجة الحرارة 28 مئوية..اول قرية وأنت قادم من الغرب او الجنوب هي قرية العشيرة ةكانت هي محط ركب الحج المصري لهذا كنا حريصين على زيارتها
دخلنا داخل بيوت القرية نبحث عن اثار العشيرة القديمة ومررنا بمنزل سلمنا على شاب واقف عنده هو الأخ فهد الجهني من اهالي جدة ويزور ينبع في اجازته. رحب بنا الأخ ببشاشة وطلب استضافتنا وشكرناه فدلنا على المكان وعرض ان يوصلنا فشكرناه..حاولنا الوصول للاثار لكن كثرة العقوم والبيوت المهجورة اتعبتنا, فجأة رأينا الأخ فهد بسيارته قادما “خفت انكم ماتدلونه فجئت بنفسي” ودلنا على الاثار وأوقفنا على المسجد المعروف بمسجد العشيرة والذي يرجح انه الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم اثناء اقامته هنا وهو متهدم تماما كما اطلعنا على اثار العين القديمة واستفدنا من الأخ فهد ان كلمة الخيف عندهم تعني العين التي تجري في قنوات مدفونة وتسمى كظائم أو خرز وشاهدنا اثر قنوات العين القديمة كما ذكر الرحالة…ومما قرأنا في وصف الرحالة السابقين يمكن ان نتخيل محطة العشيرة للحجاج انها تتكون من مسجد كبير ومنطقة اسواق ربما كان يحيط بها سور وهي التي يقوم بها سوق ينبع الموسمي المشهور الذي ذكر بعضهم لنه قسمين قسم للتجار وقسم لأغراض الحجاج..
شكرنا الأخ فهد على أريحيته واعتذرنا عن استضافته لكن كما قال الشاعر:
بشاشةُ وجْه المـرء خيرٌ من القِرَى!
منظر عام لمحطة العشيرة لاحظ ان الحصى قد وضع على ركام المسجد المنهار والصورة مأخوذة من فوق الركامات,ايضا لاحظ في الأفق اساسات دكاكين السوق المشهور للحج
ركام مسجد العشيرة وللأسف السيارات ساهمت في تدميره,خلف السيارة توجد اثار العين والمزارع
السهم الأسود يشير الى ركام مسجد العشيرة والأصفر الى منطقة السوق
العشيرة هذه وردت في السيرة النبوية في السنة الاولى من الهجرة كما ذكر ابن الأثير :فيها غزا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، غزوة العشيرة من ينبع في جمادي الأولى يريد قريشاً حين ساروا إلى الشام، فلما وصل العشيرة وادع بني مدلج وحلفاءهم من مضر ورجع ولم يلق كيداً، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد، وكان يحمل لواءه حمزة ,وورد انه صلى الله عليه وسلم اقام فترة هناك وأن له مسجداً عرف منذ ذلك الزمن.وكان المسجد معروفاً لقربه من محطة الركب المصري ,يقول السمهودي مؤرخ المدينة:مسجد العشيرة” معروف ببطن ينبع وهو مسجد ينبع بعين بولا “قلت” وعنده عين جارية لكنها لا تعرف بهذا الاسم .
قلت العين جفت في القرن الحادي عشر كما قال الرحالة المغربي ابن ناصر فإنه زار عام 1109 هجري وقال عن مسجد العشيرة:دخلت هذا المسجد وقلنا فيه حتى صلينا الظهر والعصر وتوضأنا من هذه العين وعليها نخيل ملتفة …..ثم لما حج ثانية بعد 12 سنة في سنة 1121 قال: يبس ماء العين وانهدم بعض سقف المسجد وذبلت النخيل .
——–
عودة الى يوميات الرحلة:
قررنا ان نقوم بجولة على قرى ينبع وآثارها والحقيقة انها فاجأتنا بكثرة اثارها ومعالمها ولكن مالايدرك جله لا يترك كله.
عاصمة قرى ينبع هي السويق فأخذنا جوله على اثارها ,وصلنا الى تل مرتفع يطل على اثار لمدينة كاملة مهجورة من مزارع وحصون وبيوت خاوية على عروشها..منظرها في الحقيقة محزن وكئيب
———-
أهم المعالم يقع على قمة تل وهو اثر لقلعة صخرية قديمة جداً وأظن ان هذه هي قلعة ينبع التي تعود للشريف قتادة من القرن السابع او أقدم..اما الحصن الطيني والنخيل الخاوية فلعلها تعود الى قرون متأخرة.
المفضلات