كان الأولون يحذرون بعضهم البعض من الذئب ، فيقولون: أنتبه من الذيب لا يكلك. ويتحدثون : الليلة رأيت الذيب في المكان الفلاني فإياك أن تمشى إلا وعصاك معك أو بندقيتك ، وآخر يحذر شاهدت جرّة الذيب عند البئر الفلاني وربما حرموا من الماء ليلتهم تلك خوفاً من تربصه بهم ، وكذا ينبه الآباء أبناءهم من الذئب ، وأبلغ مثال ما ورد في سورة يوسف : (قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12) قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13) قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (14)
واليوم وبعد أن بسطت المدنية نفوذها فرّت الذئاب وابتعدت ، ولعلها انحسرت أو انقرضت ، فأين من يحذر اليوم من الذئب إلا فيما ندر في بعض الهجر ولعل الأغنام هي الفريسة المستقصده للذئاب اليوم ، ثم أخذت الجمال والتي كانت تحمل المتاع ، وتنقل الركب إلي الأصقاع ، حلت محل الذئب في التحذير فأصبح المحذرون يحذرون من الجمال التي تقطع طريق السيارات ليلا فتسبب أشنع الحوادث والوفيات والإصابات ، سبحان الله كان المسافر يسير على جمله فيحذره المحذرون من الذئاب والدواب ثم عندما جاءت السيارات نحى التحذير إلي الجمال التي كانت تحمل البشر !! وبعد إحاطة الطرقات السريعة بالسور الحديدي تكاد تكون انعدمت التحذيرات من الجمال لتظهر لنا في الأشهر القليلة الماضية تحذيرات على غير ما سلف ، فالتحذير أصبح ممن يؤمن سلامة الطريق ، فقد أتجهت التحذيرات إلي الكاميرات ؟ أنتبه من ساهر! فهذا يذكر لك أنهم يتربصون لك في المكان الفلاني ، وآخر يوجهك إلي بخاخ لامع ترشه على اللوحة يحجب الفلاش ولا يؤثر في اللوحة ، وغيرهما يذكر لك قطعة معدنية تؤثر وغير ذلك من التحذيرات حتى أن الذي أراد أن يطبق يحار فلا يدري أيهما يختار :
تكاثرت الظباء على خراش . . . فلا يدري خراش ما يصيد
و تطورت النصائح وتكاثرت وكل أحد يذكر تجربته مع طريقته ، ثم جاءت برامج مبرمجه لتكشف مواضع كاميرات ساهر عبر منبه يعمل عند الاقتراب من الكاميرا يتم تثبيتها في أجهزة الملاحة وأجهزة الجوال !!
يا لقلوب البشر ولتضرب بكل تلك التحذيرات التي تدعوا إلي الحيدة عن النظام الذي وضع للحفاظ على الأرواح في أم الرغام ، أوكان يسر أن نكون للذئاب لقمة سائقه ، هذا واقع الأجداد قبل سنوات كيف كان أحدهم يحمل البندقية والعصى ولا يسير إلا بإحداهما ليتقى شر الذئاب والدواب ونحن ننعم بالتيسير الذي أراده الله لنا فنحمل الأجهزة والبرامج لتنبهنا عن وجود الكاميرات للإلتفاف على النظام !! ثم أنظروا إلي هذه التغيرات الكبيرة والفروقات الشاسعة وما أحدثته هذه الثورة الهائلة وهذا التقدم السريع ثم ما كان من قولبه في الموازين وانعكاس في الأفكار وتردي في التقدير ؟! أردت بهذا إذكاء الشعور بما نعيشه من نعيم وواقع يسع فرقاً عن الواقع السالف في كل شئ أوله التعقل والتطبع به !. إلي الملتقى
المفضلات